أقول يرد عليه : أنّ هذا في الحقيقة شرط من ناحية الواضع لو قلنا به ، وهو لا يوجب إلزاماً لغيره من المستعملين ، فيستلزم أن يكون الاسم والحرف مترادفين ، إلاّ أن يقال : إنّ شرط الواضع يوجب محدوديّة في الموضوع له التي تعبّر عنها في بعض الكلمات بالتضييق الذاتي ، وفي كلام المحقّق العراقي رحمهالله بالحصّة التوأمة ، ولكن هذا يرجع في الحقيقة إلى تغاير الموضوع له فيهما فلا تكون الحروف متّحدة مع الأسماء في الموضوع له.
وبعبارة اخرى : الذي يوجب قبوله من الواضع إنّما هو ما يكون في دائرة الوضع فإن كان هناك شيء خارج عنها وكان الموضوع له مطلقاً بالنسبة إليه فلا مانع حينئذ في استعمال تلك اللّفظة على نحو عامّ ، فلو شرط الواضع عدم استعماله بدون ذاك القيد لم يقبل منه لأنّه بما هو واضع لم يأخذه قيداً فكيف يجب قبول هذا الشرط؟
أمّا القول الثالث : وهو ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله (١) فيرد عليه أمران لا محيص عنهما :
الأوّل : ( وهو العمدة ) إنّه لا معنى لأن توجد النسبة بلفظ لا معنى له ، ولا يدلّ على مفهوم ، فإن لم يكن لكلمة « في » مثلاً معنى الظرفيّة فلا يمكن إيجادها بها في الكلام كما لا يخفى ، فاللازم دلالة الحروف أوّلاً وبالذات على معنى وحكايتها عنه ثمّ إيجاد النسبة الكلاميّة بها في ضوء تلك الحكاية.
الثاني : أنّه لو كانت معاني الحروف إيجاديّة فلا سبيل للصدق والكذب إليها كما هو كذلك في جميع الإنشائيات فلا معنى لكون قضيّة « زيد في الدار » صادقة أو كاذبة ، وهذا كما ترى.
نعم لا إشكال في إيجاديّة معاني بعض الحروف نحو حروف النداء وحروف التمنّي والترجّي والقسم والتأكيد التي تشكّل قسماً خاصّاً من الحروف كما ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله.
أمّا القول الرابع : فقد مرّت الإشارة إليه وإليك توضيحه من ملخّص كلامه :
قال في هامش أجود التقريرات : « والتحقيق أن يقال : إنّ الحروف بأجمعها وضعت لتضييقات المعاني الاسمية وتقييداتها بقيود خارجة عن حقائقها ، ومع ذلك لا نظر لها إلى النسب الخارجيّة بل التضييق إنّما هو في عالم المفهوميّة ... توضيح ذلك : إنّ كلّ مفهوم اسمي له سعة وإطلاق بالإضافة إلى الحصص التي تحته سواء كان الإطلاق بالقياس إلى الخصوصيّات
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ١٦.