«يابن المقفّع! ما هذا ببشر ، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسّد إذا شاء ظاهرا ويتروّح إذا شاء باطنا فهو هذا.
فقال له : وكيف ذاك؟
فقال : جلست إليه ، فلمّا لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال : إن يكون الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون ـ يعني أهل الطواف ـ فقد سلموا وعطبتم ، وإن يكن الأمر على ما تقولون وليس كما تقولون فقد استويتم أنتم وهم.
فقلت له : يرحمك اللّه وأيُّ شيء نقول وأيّ شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلاّ واحد؟
قال : فكيف يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون : إنّ لهم معادا وثوابا وعقابا ويدينون بأنّ للسماء إلها وأنّها عمران وأنتم تزعمون أنّ السماء خراب ليس فيها أحد.
قال : فاغتنمتها منه ، فقلت له : ما منعه إن كان الأمر كما تقول أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتّى لا يختلف منهم إثنان ولِمَ احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟! ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به.
فقال لي : ويلك! وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوءك ولم تكن ، وكبرك بعد صغرك ، وقوّتك بعد ضعفك ، وضعفك بعد قوّتك ، وسقمك بعد صحّتك ، وصحّتك بعد سقمك ، ورضاك بعد غضبك ، وغضبك بعد رضاك ، وحزنك بعد فرحك ، وفرحك بعد حزنك ، وحبّك بعد بغضك ، وبغضك بعد حبّك ، وعزمك بعد إبائك ،