والطير وغير ذلك؟ فإنّك ترى السرب من الظباء والقطا (١) تتشابه حتّى لا يفرّق بين واحد منها وبين الاُخرى ، وترى الناس مختلفة صورهم وخلقهم حتّى لا يكاد إثنان منهم يجتمعان في صفة واحدة.
والعلّة في ذلك أنّ الناس محتاجون إلى أن يتعارفوا بأعيانهم وحُلاهم لما يجري بينهم من المعاملات ، وليس يجري بين البهائم مثل ذلك فيحتاج إلى معرفة كلّ واحد منها بعينه وحليته.
ألا ترى أنّ التشابه في الطير والوحش لا يضرّهما شيئا ، وليس كذلك الإنسان فإنّه ربّما تشابه التوأمان تشابها شديدا فتعظم المؤونة على الناس في معاملتهما حتّى يعطى أحدهما بالآخر ويؤخذ أحدهما بذنب الآخر ، وقد يحدث مثل هذا في تشابه الأشياء فضلاً عن تشابه الصورة.
فمَن لطف لعباده بهذه الدقائق التي لا تكاد تخطر بالبال حتّى وقف بها على الصواب إلاّ من وسعت رحمته كلّ شيء؟
لو رأيت تمثال الإنسان مصوّرا على حائط فقال لك قائل : إنّ هذا ظهر هاهنا من تلقاء نفسه لم يصنعه صانع أكنت تقبل ذلك؟ بل كنت تستهزئ به فكيف تنكر هذا في تمثال مصوّر جماد ولا تنكر في الإنسان الحيّ الناطق؟!
لِمَ صارت أبدان الحيوان وهي تغتذي أبدا لا تنمي ، بل تنتهي إلى غاية من النموّ ثمّ تقف ولا تتجاوزها لولا التدبير في ذلك؟ فإنّ من
__________________
(١) السِّرب بكسر السين هو : القطيع والمجموعة ، والقطا واحده القطاة : ضرب من الحمام ذي طوق معروف ، والظباء جمع ظبية وهي : اُنثى الغزال.