تدبير الحكيم فيها أن يكون أبدان كلّ صنف منها على مقدار معلوم غير متفاوت في الكبير والصغير ، وصارت تنمي حتّى تصل إلى غايتها ثمّ يقف ثمّ لا يزيد والغذاء مع ذلك دائم لا ينقطع ، ولو كانت تنمي نموّا دائما لعظمت أبدانها وإشتبهت مقاديرها حتّى لا يكون لشيء منها حدّ يعرف ؛ لِمَ صارت أجسام الإنس خاصّة تثقل عن الحركة والمشي (١) ويجفو عن الصناعات اللطيفة (٢) إلاّ لتعظيم المؤونة فيما يحتاج إليه الناس للملبس والمضجع والتكفين وغير ذلك.
لو كان الإنسان لا يصيبه ألم ولا وجع بم كان يرتدع عن الفواحش ويتواضع للّه ويتعطّف على الناس؟ أما ترى الإنسان إذا عرض له وجع خضع وإستكان ورغب إلى ربّه في العافية وبسط يديه بالصدقة؟ ولو كان لا يألم من الضرب بم كان السلطان يعاقب الدعار (٣) ويذلّ العصاة المردة؟ وبم كان الصبيان يتعلّمون العلوم والصناعات؟ وبم كان العبيد يذلّون لأربابهم ويذعنون لطاعتهم؟ أفليس هذا توبيخ لابن أبي العوجاء وذويه اللّذين جحدوا التدبير ، والمانويّة الذين أنكروا الألم والوجع.
لو لم يولد من الحيوان إلاّ ذكر فقط أو اُناث فقط ألم يكن النسل منقطعا؟ وباد مع ذلك أجناس الحيوان؟ فصار بعض الأولاد يأتي
__________________
(١) أي المشي الكثيرة والحركة المجهدة.
(٢) أي الدقيقة المُتعبة .. فهذا ممّا يدعو إلى المساعدة والمعاضدة بين أفراد الإنسان.
(٣) الدعار : جمع داعر وهو الشخص الخبيث.