ومعلوم أن تطبيق هذا المبدأ يحتاج إلى قوة وسلطة قهارة تدع كلّا يقف عند حده ويراعي غيره كما يراعي نفسه ولكن المبدأ العباسي تداعى بنيانه وهوت حيطانه ولم يعد يصلح للحياة بل البقاء في جانبه خطر ومهلكة ...
وهنا يلاحظ في حكومات ذلك العصر أنها أصل الجماعة وسائر الأقوام الذين تحت سلطتها خلقوا لتعيش هي برفاه وسعادة واطمئنان دون أن يلتفت إلى ما يؤدي إلى ثراء الشعب ونعيمه ورفاهيته. فترى الخليفة يخزن أموال الأمة ويجعلها لنفسه ولم تستفد الأمة ما يعود لمصلحتها بالخير شيئا يذكر ... وكذا هلاكو يهاجم الأمة ويسلبها أموالها ويغتنم ما خزنه الخليفة غنيمة باردة ... فلم تبق للأمة مؤسسات نافعة ، ومفيدة اللهم إلا ما يساعد على مصلحة اعدائها وأعمالهم العسكرية من صنع جسور وتسهيل طرق ... والحاصل لم تدع هذه الحكومات من قوتها لسلب أموال الأمة والتنعم بها ... إلا فعلته ...
وحكاية نصير الدين الطوسي المارة آنفا عنه كاشفة لحقيقة خطته رغم المبالغة فيها كما أنها مطابقة لنهج جنگيزخان ووصاياه لأولاده وسلوكه مع الأقوام ... فهو فاتح (جهانكير) ومدبر (جهاندار) مما يعبر به عنه ... وعلى كل هي تعديل في الخطط ...
أما سياسته في العراق بعد الفتح فإنه لم يداج أحدا ولم يراع جانبا ولا أغمض عن عات ولا تغافل عن ظالم أو ناهب وهمه إقامة العدل ومراعاة السياسة الحكيمة فكانت أذنه صاغية ومحاكمة الموظف المنسوبة إليه الخيانة حاسمة ... لم يتردد في إقامة العدل وتنفيذه في حق من استوجب العقوبة ولو كان أعز الناس إليه أو أكبر من قام بخدمة له ...
وهذه سجايا لا نكاد نراها في حكومة ولا نعرفها عند أحد من معاصريه ومن بعدهم ... حكومة رشيدة ولكن النفوس فاسدة والسلوك