وقد عيّنوا للنصارى شحاني حرسوا بيوتهم والتجأ إليهم أناس عديدون فسلموا ... وهنا يلاحظ أن الأوروبيين كانوا قد اتفقوا مع التتر ولهذا سلم النصارى أو أنهم راعوا العناصر الضعيفة لأجل إطلاعهم على خفايا المسلمين لا أنهم كانوا نصارى منهم ، ولا يحتمل أنهم تجسسوا لهم على المسلمين.
وكان ببغداد أيضا جماعة من التجار الذين يسافرون إلى خراسان وغيرها قد تعلقوا من قبل بأمراء المغول وكتب لهم يرليغات (١) فلما فتحت بغداد خرجوا إلى الامراء وعادوا معهم من يحرس بيوتهم. والتجأ إليهم أيضا جماعة من جيرانهم وغيرهم فأنقذوهم. وكذلك دار الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي نجا بها جماعة كثيرة. ومثلها دار صاحب الديوان ابن الدامغاني ودار صاحب الباب ابن الدوامي.
وفيما عدا هذه الأماكن لم يسلم أحد إلا من كان في الآبار والقنوات. وأحرق معظم البلد و(جامع الخليفة) (٢) وما جاوره ... واستولى الخراب على المدينة. وكانت القتلى في الدروب والأسواق كالتلول ووقعت الأمطار عليهم ووطأتهم الخيول فاستحالت صورهم وصاروا مثلة بتشوه الخلقة ... (٣).
الأمان :
ثم نودي بالأمان فخرج من تخلف وقد تغيرت ألوانهم وذهلت عقولهم لما شاهدوا من الأهوال والمصائب التي لا يستطيع القلم التعبير
__________________
(١) اليرليغ الفرمان السلطاني ، أو المنشور ، أو الأمر معرب عن المغولية ويستعمل أحيانا في اللغة التركية العثمانية.
(٢) هو جامع الخلفاء المعروف اليوم.
(٣) ابن الفوطي ص ٢٦٢.