الإسلامي مدة وتدعه في اضطراب وحيرة من أمره فتخلف أثرا ما زال ولا يزال باقيا يرن في الآذان ويفكر فيه كل من درس التاريخ ...
هذه الصولة على البلاد الإسلامية أشبه بصولة العرب وهم في جزيرة قاحلة ... على العالم المتحضر ، المجاور لهم إلا أنه بينهما جهات اشتراك وافتراق وإن كان كل منهما خلف أثرا في النفوس عظيما. فكلاهما يعتمد على قوة بدوية اختط المدبر لها منهاجا ساق به هذه الجماعات للمضيّ بمقتضاه والعمل بموجبه فنال بغيته ...
وشتان بين المنهجين فأحدهما فك الأغلال والقيود عن البشرية ومحا الفوارق بين بعضها وبعض فهو خالد ، وهو إصلاح لها وإسعاد لحياتها كلما مشت على مرسومه والآخر دمر البشرية وأهلكها لانتفاع أمة واحدة وقيادتها لاستدرار خيراتها حبا في إعاشة تلك الأمة وإقامة أودها وإنعاشها ...
وفي هذا الأخير رجعة للاستعباد مرة أخرى ... لكنها كانت أي هذه الرجعة ضرورة لا بد منها نظرا لتناسي المبدأ الإسلامي القويم والعدول عنه أو إهماله والصدود عنه ... فنرى القائم به مثل الخليفة أو الملوك الذين يعدون أنفسهم بمنزلة حماة للدين وحراس له يحاول كل منهم أن يستعبد القوم لا أن يقيم العدل ويؤمن السبل ... وينقذ البشرية مما انتابها ...
فكان الأصلح للبشرية أن يقوض هذا البناء الذي صدف أهله عن صراطه السوي وأولى لها أن يدمر رغم فظاعة الآلة الهدامة ... هذه ضرورة لا بد من ركوبها أو وقوعها وتحمل أخطارها وفي الحقيقة أن الحكومات الإسلامية كانت تركية أو سلطتها بأيديهم فالمقارعة بين طاغيتين كلاهما مخرب ومدمر للديار وهادم للحضارة ، ولم يؤثر فيه المبدأ الإسلامي ، وعلى كل لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.