وكذا يقال عن الترك فإننا وإن سمينا رئيس كل قبيلة بخان وكل من حكم على بضع قبائل (بخاقان) وقلنا (قاآن) لمن لا حاكم وراءه أو فوقه (١) وما ماثل ورجعنا إلى حالتهم وما هم عليه من البداوة وسكنى الخيام ـ كالعربي ـ علمنا ضخم الألقاب وعظم الاسم دون أن يكون وراء ذلك ما يدعو للانتباه.
ولا ينسى أن الترك لا يماثلون العرب من كل وجه فلكل من القومين مزايا وخصائص وعوائد قد لا توجد في الأخرى منها ما هو من مزاياهم الخلقية ومنها ما هي نتائج المناخ والمحيط الذي عاشوا فيه ... سواء في حره وبرده وما يلتزمانه فيه ... فأثر ذلك في التحول والانتقال لكل من القومين وحينئذ يقرب الواحد من الآخر نوعا.
وعلى كل حال إن أمة الترك وفي ضمنها المغول في الأصل قبائل رحل موصوفة بالشجاعة والصبر على المكاره وتحمل المشاق ، سكناها الخيام ومولعة بالصيد ومواطنها الاصلية مغولستان وتركستان وهما معروفان وما ذكر عن ملوكهم القدماء وأحوالهم فلا يخرج عن كونهم رؤساء قبائل ويتفاوتون في التسمية بين من يسيطر على قبيلة أو قبائل متعددة أو قوم عظيم من اقوامهم كما ان ما ذكر عن ملوكهم القدماء لا يعوّل عليه كحقيقة ناصعة. وإنما هو روايات وأخبار تناقلوها حسب ما هو معهود بين الأمم الأمية وإن كان تثبيت ذلك قد اتخذ وسائل للإشادة والفخر ... وأن خير المدونات وأصدقها عنهم ما كان في زمن المسلمين أثناء الفتوح وما بعدها. فتاريخهم الحقيقي عرف من ذلك الوقت. وحينئذ تكاثرت التتبعات وزاد البحث وضوحا ولا يعتمد على ما قبله من الروايات إلا لإيجاد الصلة والاطلاع على الماضي حسب المحفوظات وإن كان خرافيا وقد يعرف الوضع من خلاله فلا يخفى على
__________________
(١) شجرة الترك ص ١٦٩.