غفر الله له ؛ والله تعالى يقول : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) (الأعراف : ٤٠) فقد جعل ولوج الجمل في السّمّ غاية لنفي دخولهم الجنة ، وتلك غاية لا توجد ، فلا يزال دخولهم الجنة منفيا ، وهذا الشاعر وصف جسمه بالنحول ، بما يناقض الآية.
ومن هذا جرت مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريج (١) ، ومحمد بن داود الظاهريّ (٢) ؛ قال أبو العباس له : أنت تقول بالظاهر وتنكر القياس ، فما تقول في قوله الله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة : ٧ و ٨) فمن يعمل [مثقال] نصف ذرة ما حكمه؟ فسكت محمد طويلا وقال : أبلغني ريقي ؛ قال له أبو العباس : قد أبلعتك : دجلة ، قال : أنظرني ساعة ، قال : أنظرتك إلى قيام الساعة ، وافترقا ، ولم يكن بينهما غير ذلك.
وقال بعضهم : وهذا من مغالطات ابن سريج وعدم تصوّر ابن داود : لأن الذرة ليس لها أبعاض فتمثّل بالنصف والربع وغير ذلك من الأجزاء ؛ ولهذا قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (النساء : ٤٠) فذكر سبحانه ما لا يتخيّل في الوهم أجزاؤه ، ولا يدرك تفرقه.
__________________
(١) هو أحمد بن عمر بن سريج الإمام أبو العباس البغدادي الشافعي لحق أصحاب سفيان بن عيينة ، ووكيع ، وسمع من الحسن بن محمد الزعفراني تلميذ الشافعي ، وبه انتشر مذهب الشافعي ببغداد ت ٣٠٦ ه (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ٢٠١) وأورد المناظرة السبكي في طبقات الشافعية ٢ / ٨٧.
(٢) هو محمد بن داود بن علي أبو بكر الظاهري صاحب المذهب كان يجتهد ولا يقلد أحدا ، له من التصانيف «الزهرة» وله كتاب في «الفرائض» وغيرها تصدّر للفتيا بعد والده ، ت ٢٩٧ ه (الذهبي ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ١١٤).