هذا الباب كثيرة ومختلفة. والذي نقوله : إن الخطّ توقيفيّ لقوله [تعالى] : ([عَلَّمَ] (١) بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (العلق : ٤ و ٥) وقال تعالى : ([ن] (١) وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (القلم : ١) وليس ببعيد أن يوقف آدم وغيره من الأنبياء عليهمالسلام على الكتاب.
وزعم قوم أن العرب العاربة لم تعرف هذه الحروف بأسمائها ، وأنهم لم يعرفوها نحوا ولا إعرابا ولا رفعا ولا نصبا ولا همزا. ومذهبنا (٢) : أن أسماء هذه الحروف داخلة في الأسماء التي علّم الله تعالى آدم عليهالسلام ـ قال ـ وما اشتهر أن أبا الأسود أول من وضع العربية وأن الخليل أول من وضع العروض فلا ننكره ، وإنما نقول : إن هذين العلمين كانا قديمين ، وأتت عليهما الأيام ، وقلاّ في أيدي الناس ، ثم جدّدهما هذان الإمامان. ومن الدليل على عرفان القدماء ذلك كتابتهم المصحف على الذي يعلّله النحويون في ذوات الواو والياء ، والهمز والمد والقصر ، فكتبوا ذوات الياء بالياء ، وذوات الواو بالألف (٣) ، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنا ، نحو (الْخَبْءَ) (النمل : ٢٥) وال (دِفْءٌ) (النحل : ٥) و (الملء) (البقرة : ٢٤٦) فصار ذلك حجة (٤) ، وحتى كره بعض العلماء ترك اتباع المصحف».
وأسند إلى الفراء (٥) قال : «اتباع المصحف إذا وجدت له وجها من كلام العرب وقراءة القراء (٦) أحبّ إليّ من خلافه».
وقال أشهب (٧) : «سئل مالك رحمهالله : هل تكتب المصحف على ما أخذته الناس من
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) في المطبوعة زيادة وضعها المحقق من كتاب الصاحبي في فقه اللغة ، تكون بها العبارة (ومذهبنا فيه التوقيف فنقول : إن أسماء ...)
(٣) عبارة المطبوعة : (وذوات الواو بالواو) ، وما أثبتناه من المخطوطة.
(٤) عبارة الصاحبي : (فصار ذلك كله حجة).
(٥) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء تقدم ذكره في ١ / ١٥٩.
(٦) تصحف اللفظ في المطبوعة إلى (الفراء) بالفاء ، وفي المخطوطة إلى (القرآن) والصواب ما أثبتناه.
(٧) هو أشهب بن عبد العزيز بن داود ، أبو عمرو الفقيه المصري روى عن مالك والليث وابن عيينة ، وغيرهم وروى عنه الحارث بن مسكين ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم ، كان فقيها حسن الرأي والنظر. قال ابن حبان في «الثقات» : كان فقيها على مذهب مالك ذابا عنه. توفي سنة ٢٠٤ (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ١ / ٣٦٠).