* ومن الثاني قوله تعالى في الصيد : (وَمَنْ قَتَلَهُ) [٧٨ / أ](مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (المائدة : ٩٥). فإن القتل إتلاف والإتلاف [يستوي] (١) عمده وخطؤه ؛ فيستدلّ به على أن التعمد ليس بشرط. فإن قيل : فما فائدة التقييد في هذا القسم إذا كان المسكوت عنه مثله ، وهلا حذفت الصفة واقتصر على قوله : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ)؟ قلنا : لتخصيص الشيء بالذكر فوائد : منها اختصاصه في جنسه بشيء لا يشركه فيه غيره من جملة الجنس ؛ كما في هذه الآية ، أعني قوله : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً). إلى قوله : (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (المائدة : ٩٥) إن المتعمد إنما خصّ بالذكر لما عطف عليه في آخر الآية من الانتقام الذي لا يقع إلا في العمد دون [الخطإ] (٢).
ومنها ما يخصّ بالذكر تعظيما له على سائر ما هو من جنسه ؛ كقوله تعالى : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة : ٣٦) فخص النهي عن الظلم [فيهنّ ، وإن كان الظلم] (٣) منهيا عنه في جميع الأوقات تفضيلا لهذه الأشهر وتعظيما للوزر فيها. وقوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) (البقرة : ١٩٧).
ومنها أن يكون ذلك الوصف هو الغالب عليه ؛ كقوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ ...) (النساء : ٢٣) الآية ، فإن الغالب من حال الربيبة أنها تكون في حجر أمها. ونحو : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ...) (النور : ٥٨) إلى قوله : (ثَلاثَ مَرَّاتٍ ...) الآية خصّ هذه الأوقات الثلاثة بالاستئذان ؛ لأن الغالب تبذّل البدن فيهن ، وإن كان في غير هذه الأوقات ما يوجب الاستئذان فيجب. وكذلك قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (البقرة : ٢٢٩) فالافتداء يجوز مع الأمن ، وقوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) (٤) أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ (النساء : ١٠١). وقوله : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (البقرة : ٢٨٢) ، وقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (البقرة : ٢٨٣) فجرى التقييد بالسّفر ؛ لأن الكاتب إنما يعدم غالبا فيه ؛ فلا يدل على منع الرهن إلا في السفر ، كما صار إليه مجاهد.
__________________
(١) ساقط من المطبوعة.
(٢) ساقط من المخطوطة.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (ولا جناح عليكم) وليست من المصحف.