ومنه قوله [تعالى] : (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة : ١٩٠) قيل : منسوخ بقوله [تعالى](فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) (البقرة : ١٩٤).
وقوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (الأحقاف : ٩) نسختها آيات القيامة والكتاب والحساب.
وهنا سؤال ، وهو أن يسأل : ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة؟
والجواب من وجهين : أحدهما أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه ، والعمل به ، فيتلى لكونه كلام الله تعالى فيثاب عليه ، فتركت التلاوة لهذه الحكمة.
وثانيهما : أن النّسخ غالبا يكون للتخفيف ، فأبقيت التلاوة تذكيرا بالنعمة ورفع المشقة ، وأما حكمة النّسخ قبل العمل ، كالصدقة عند النجوى فيثاب على الإيمان [به] (١) وعلى نية طاعة الأمر.
الثالث : نسخهما جميعا ، فلا تجوز قراءته ولا العمل به ، كآية التحريم بعشر رضعات فنسخن بخمس (٢) ؛ قالت عائشة : «كان مما أنزل عشر رضعات معلومات ، فنسخن بخمس معلومات ، فتوفّي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي مما يقرأ من القرآن». رواه مسلم (٣) وقد تكلموا في قولها : «وهي مما يقرأ» فإنّ ظاهره بقاء التلاوة ؛ وليس كذلك ، فمنهم من أجاب بأنّ المراد قارب الوفاة ، والأظهر أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كلّ الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتوفي وبعض الناس يقرؤها (٤).
وقال أبو موسى الأشعريّ : نزلت ثم رفعت.
وجعل الواحدي (٥) من هذا ما روي عن أبي بكر رضياللهعنه قال : كنا نقرأ : «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر» ، وفيه نظر.
__________________
(١) ساقط من المخطوطة.
(٢) تحرفت العبارة في المخطوطة إلى : (فنسخت بعشرين رضعة).
(٣) صحيح مسلم ٢ / ١٠٧٥ كتاب الرضاع (١٧) ، باب التحريم بخمس رضعات (٦) ، الحديث (٢٤ / ١٤٥٢).
(٤) عبارة الزركشي منقولة من شرح صحيح مسلم للنووي ١٠ / ٢٩.
(٥) الواحدي هو علي بن أحمد بن محمد تقدم ذكره في ١ / ١٠٥.