استفصال لطلب طريق مقطوع به ، فيسرعون بأيسر شيء ، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام ، والمنام أدنى طرق الوحي».
الضرب الثاني : ما نسخ حكمه وبقي تلاوته ، وهو في ثلاث وستين سورة ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ...) الآية (البقرة : ٢٣٤) ، فكانت المرأة إذا مات زوجها لزمت التربّص بعد انقضاء العدّة حولا كاملا ، ونفقتها في مال الزوج ، ولا ميراث لها ، وهذا معنى قوله : (مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ [غَيْرَ إِخْراجٍ]) (١) ... (البقرة : ٢٤٠) الآية ، فنسخ الله ذلك بقوله : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (البقرة : ٢٣٤) ، وهذا الناسخ مقدم في النظم (٢) على المنسوخ.
[٨٠ / ب] قال القاضي أبو المعالي (٣) : «وليس في القرآن ناسخ تقدم على المنسوخ ، إلا في موضعين ، هذا أحدهما ، والثاني قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ...) الآية ، (الأحزاب : ٥٠) فإنها ناسخة لقوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) (الأحزاب : ٥٢)» قلت : وذكر بعضهم موضعا آخر ، وهو قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) (البقرة : ١٤٢) هي متقدمة في التلاوة ، ولكنها منسوخة بقوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) (البقرة : ١٤٤).
وقيل : في تقديم الناسخة فائدة ، وهي أن تعتقد حكم المنسوخة قبل العلم بنسخها.
ويجيء موضع رابع وهو آية الحشر في قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ...) (الآية : ٧) فإنه لم يذكر فيها شيء للغانمين ، ورأى الشافعي أنها منسوخة بآية الأنفال وهي قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) (الآية : ٤١).
واعلم أن هذا الضرب ينقسم إلى ما يحرم العمل به ولا يمتنع كقوله : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (الأنفال : ٦٥) ثم نسخ الوجوب.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) في المخطوط (النظر).
(٣) هو عزيزي بن عبد الملك القاضي المعروف بشيذلة صاحب كتاب «البرهان في مشكلات القرآن» تقدم ذكره في ١ / ١١٢.