و (١) منهم من أجاب عن ذلك بأن هذا كان مستفيضا عندهم وأنّه كان متلوّا من القرآن (١) فأثبتنا الحكم بالاستفاضة ، [وتلاوته غير ثابتة بالاستفاضة] (٢). ومن هذا الضرب ما رواه مسلم في «صحيحه» عن أبي موسى الأشعري إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول [والشدة] (٢) ببراءة فأنسيتها ، غير أني أحفظ منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ؛ وكنّا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبّحات (٣) فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة (٤).
وذكر الإمام المحدّث أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي (٥) في كتابه «الناسخ والمنسوخ» : ممّا رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب (٦) حفظه سورتا (٦) القنوت في الوتر ، قال : ولا خلاف بين الماضين والغابرين أنّهما مكتوبتان في المصاحف المنسوبة إلى أبيّ بن كعب ، وأنّه ذكر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه أقرأه إياهما ، وتسمى سورتي الخلع والحفد.
هنا سؤال ، وهو أن يقال : ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم؟ وهلاّ تثبّت (٧) التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟ وأجاب صاحب «الفنون» (٨)» فقال : «إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير
__________________
(١) اضطربت عبارة المخطوطة كالتالي : (ومنهم من أجاب عن ذلك بأنه كان هذا مستفيضا عنده أنه كان مكتوبا من القرآن).
(٢) ساقط من المخطوطة.
(٣) قال القاري في مرقاة المفاتيح ٢ / ٥٩٨ : (المسبّحات ـ بكسر الباء ـ نسبة مجازية ، وهي السور التي في أوائلها (سبحان) أو (سبح) بالماضي ، أو (يسبح) أو (سبح) بالأمر ، وهي سبعة : سبحان الذي أسرى ، والحديد ، والحشر ، والصف ، والجمعة ، والتغابن ، والأعلى).
(٤) أخرجه مسلم في الصحيح ٢ / ٧٢٦ كتاب الزكاة (١٢) ، باب لو أن لابن آدم ... (٣٩) ، الحديث (١١٩ / ١٠٥٠) ، وفي عبارة المخطوطة تحريف للكلمات الأخيرة من الحديث وهي (فقلت شهادة في أعناقهم يسألون) والصواب ما أثبتناه كما في المطبوعة ومسلم.
(٥) هو أحمد بن جعفر بن محمد بن المنادي ، مقرئ جليل غاية في الإتقان ، فصيح اللسان عالم بالآثار ، نهاية في علم العربية ، صاحب سنّة ، ثقة مأمون ، أخذ القراءة عرضا وروى الحروف سماعا عن الحسن بن العباس ، وحدث عنه جماعة : ت ٣٣٦ ه (سير أعلام النبلاء ١٥ / ٣٦١) ، وقد تقدم ذكر كتابه ضمن المؤلفات المستدركة في الناسخ والمنسوخ.
(٦) عبارة المخطوطة : (ضبطه سورتي).
(٧) في المطبوعة (ابقيت).
(٨) هو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي ، صاحب : فنون الأفنان انظر قوله في كتابه «نواسخ القرآن» ص ٩٠.