السارق يسرق البيضة فتقطع يده» (١) وقد علم أنه لا تقطع في البيضة ، وتأويل من أوّله ببيضة الحرب تأباه الفصاحة (٢).
الثاني : أنّ ظاهر قوله : «لو لا أن يقول الناس ...» الخ أن كتابتها جائزة ، وإنما منعه قول الناس ، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه ، وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة ، لأنّ هذا شأن المكتوب. وقد يقال : لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر رضياللهعنه ولم يعرّج على مقال الناس ؛ لأن مقال الناس لا يصلح مانعا.
وبالجملة فهذه الملازمة مشكلة ، ولعلّه كان يعتقد أنه خبر واحد ، والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم ، ومن هنا أنكر ابن ظفر في «الينبوع» (٣) عدّ هذا مما نسخ تلاوته ، قال : لأنّ خبر الواحد لا يثبت القرآن. قال : وإنما هذا من المنسأ لا (٤) النسخ ، وهما (٥) يلتبسان ، والفرق بينهما أن المنسأ لفظه قد يعلم حكمه ويثبت غيره (٦) ، وكذا قاله غيره (٧) في القراءات الشاذة ، كإيجاب التتابع في صوم كفارة اليمين ونحوه أنها كانت قرآنا فنسخت تلاوتها : لكن في العمل بها الخلاف المشهور في القراءة الشاذة.
__________________
(١) الحديث متفق عليه من رواية أبي هريرة رضياللهعنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١٢ / ٨١ كتاب الحدود (٨٦) ، باب السارق حين يسرق (٦) ، الحديث (٦٧٨٣) ، وفيه : (قال الأعمش : كانوا يرون أنه بيض الحديد) وسيأتي رد هذا القول في سياق الكلام الذي نقله الزركشي عن ابن الحاجب ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٣١٤ كتاب الحدود (٢٩) ، باب حد السرقة ونصابها (١) ، الحديث (٧ / ١٦٨٧).
(٢) وقد نقل ابن حجر العسقلاني أقوال العلماء في توجيه قول الأعمش «بيضة الحرب» ، فمنهم من قبل قول الأعمش ومنهم من رده قال (قال بعضهم : البيضة في اللغة تستعمل في المبالغة في المدح وفي المبالغة في الذم ... ، فلما كانت تستعمل في كل من الأمرين حسن التمثيل بها ، كأنه قال : يسرق الجليل والحقير فيقطع ، فرب أنه عذر بالجليل فلا عذر له بالحقير) انظر فتح الباري ١٢ / ٨٣.
(٣) هو محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر أبو عبد الله الصقلي ، أحد الفضلاء مغربي النشأة نزيل حماة ، ولد بصقلية وقدم إلى مصر ، وتنقل في البلاد ، له الكثير من المصنفات. ت ٥٦٨ ه (إنباه الرواة ٣ / ٧٤). وكتابه : ينبوع الحياة» مخطوط في دار الكتب برقم (٣١٠) ، وفي معهد المخطوطات برقم (٢٩٤ ـ ٢٩٥ ـ ٢٩٦) ، (معجم الدراسات القرآنية ص ٣٥٤).
(٤) تصحفت في المخطوطة إلى (لأن).
(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (وهذا).
(٦) في المطبوعة (ويثبت أيضا).
(٧) في المطبوعة (وكذا قاله في غيره).