معهود المجيء ، وقد عبّر عنه بالماضي ، ولا يتصوّر إلا بعلامة من غيره ليس مثله ، فيستوي في علمنا ملكها وملكوتها في ذلك المجيء ؛ ويدلّ عليه قوله تعالى في موضع آخر : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) (الشعراء : ٩١) ، وقوله : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) (الفرقان : ١٢) ؛ هذا بخلاف حال : (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) (الزمر : ٦٩) ؛ حيث لم تكتب الألف ؛ لأنه على المعروف في الدنيا ، ومن تأوله بمعنى البروز في المحشر لتعظيم جناب الحق أثبت الألف فيه أيضا.
وكذلك : ([وَ] (١) لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (الكهف : ٢٣) ، الشيء هنا معدوم ، وإنما علمناه من تصوّر مثله الذي [قد] (١) وقع في الوجود فنقل له الاسم [فيه] (١) ، من حيث إنه يقدّر أنه يكون مثله في الوجود ، فزيدت الألف تنبيها على اعتبار المعدوم من جهة تقدير الوجود ، إذ هو موجود في الأذهان ، معدوم في الأعيان.
وهذا بخلاف قوله في النحل : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ) (النحل : ٤٠) ، فإن الشيء [هنا] (٢) من جهة قول الله ، لا يعلم كيف ذلك ، بل نؤمن به تسليما لله سبحانه فيه ، فإنه سبحانه يعلم الأشياء بعلمه لا بها ، ونحن نعلمها بوجودها لا بعلمنا فلا تشبيه ولا تعطيل.
وكذلك : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) (هود : ٩٧) ، زيدت الألف بين اللام والهمزة ، تنبيها على تفصيل مهمّ ظاهر الوجود.
ومثله زيادتها في (مِائَةَ) (البقرة : ٢٥٩) ، لأنه اسم يشتمل على كثرة مفصّلة بمرتبتين : آحاد وعشرات.
قال أبو عمرو في «المقنع» : «لا خلاف في رسم ألف الوصل الناقصة من اللفظ [٥٨ / أ] في الدّرج ، نحو : (عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) (البقرة : ٨٧) (الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة : ١٧) وهو نعت ، كما أثبتوها في الخبر نحو : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (التوبة : ٣٠) ، و (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (التوبة : ٣٠) ، ولم تحذف إلا في خمسة مواضع (٣).
قال : «ولا خلاف في زيادة الألف بعد الميم في (مِائَةَ) (البقرة : ٢٥٩) ، و (مِائَتَيْنِ)
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) ساقط من المخطوطة.
(٣) المقنع للداني ص ٢٩ ذكر حذف ألف الوصل.