عباس كان يقول : «أنا من الراسخين في العلم» (١) ؛ ويقول عند قراءة قوله في أصحاب الكهف : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ) (الكهف : ٢٢) «أنا من أولئك القليل» (٢).
وقال مجاهد في قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (آل عمران : ٧) يعلمونه و (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (آل عمران : ٧) ولو لم يكن للراسخين في العلم حظّ من المتشابه إلا أن يقولوا : (آمَنَّا) لم يكن لهم فضل على الجاهل ؛ [و] (٣) لأن الكلّ قائلون ذلك ، ونحن لم نر المفسرين إلى هذه الغاية توقّفوا عن شيء من القرآن فقالوا : هو متشابه لا يعلمه إلاّ الله ، بل أمرّوه على التفسير ، حتى فسّروا الحروف المقطعة.
(فإن قيل) : كيف يجوز في اللغة أن يعلم الراسخون ، والله يقول : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) وإذا أشركهم في العلم انقطعوا عن قوله : (يَقُولُونَ) لأنه ليس هنا عطف حتى يوجب للراسخين فعلين؟ (قلنا) : إنّ (يَقُولُونَ) هنا في معنى الحال كأنه قال :
(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) قائلين آمنا [به] (٤) ؛ كما قال الشاعر : (٥)
الرّيح تبكي شجوها |
|
والبرق يلمع في غمامه |
أي لامعا. (وقيل) المعنى «يعلمون ويقولون» فحذف واو العطف كقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) (القيامة : ٢٢) والمعنى يقولون علمنا وآمنّا ؛ لأن الإيمان قبل العلم محال إذ لا يتصور الإيمان مع الجهل وأيضا لو لم يعلموها لم يكونوا من الراسخين ، ولم يقع الفرق بينهم وبين الجهال.
__________________
(١) الأثر أخرجه الطبري في التفسير ٣ / ١٢٢ عند تفسير الآية من سورة آل عمران ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٧ وعزاه أيضا لابن المنذر وابن الأنباري.
(٢) الأثر أخرجه الطبري في التفسير ١٥ / ١٥٠ عند تفسير الآية (٢٢) من سورة الكهف ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٢١٧ وعزاه أيضا لعبد الرزاق ، والفريابي ، وابن سعد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وللطبراني في «الأوسط».
(٣) ساقط من المطبوعة.
(٤) ساقط من المطبوعة.
(٥) هو يزيد بن زياد بن ربيعة الملقب بمفرغ الحميري أبو عثمان توفي سنة (٦٩ ه) ذكره أبو الفرج في الأغاني ١٧ / ٥١ ـ ٥٢ ، والبيت في ديوانه ص ٢٠٨ القصيدة رقم (٥١) قالها في محنته ، ومطلعها «أصرمت حبلك» ورواية الديوان للبيت (فالريح) ثم (الغمامة).