بغوامضه ، والبحث عن دقائق معانيه ، فإن استدعاء الهمم لمعرفة ذلك من أعظم القرب ، وحذرا مما قال المشركون : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) (الزخرف : ٢٢) ، وليمتحنهم ويثيبهم كما قال : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ...) الآية (الروم : ٢٧) وقوله (١) : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (سبأ : ٤) فنبّههم على أن أعلى المنازل هو الثواب ، فلو كان القرآن كلّه محكما لا يحتاج إلى تأويل لسقطت المحنة ، وبطل التفاضل ، واستوت منازل الخلق ، ولم يفعل الله ذلك ، بل جعل بعضه محكما ليكون أصلا للرجوع إليه ، وبعضه متشابها يحتاج إلى الاستنباط والاستخراج وردّه إلى المحكم ، ليستحقّ بذلك الثواب الذي هو الغرض ، وقد قال تعالى : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران : ١٤٢)
ومنها : إظهار فضل العالم على الجاهل ، ويستدعيه علمه إلى المزيد في الطلب في تحصيله ، لتحصل له درجة الفضل ، والأنفس الشريفة تتشوّف لطلب العلم وتحصيله.
وأمّا إن كان ممن لا يمكن علمه فله فوائد ، منها : إنزاله ابتلاء وامتحانا بالوقف فيه والتعبّد بالاشتغال من جهة التلاوة وقضاء فرضها ، وإن لم يقفوا على ما فيها من المراد الذي يجب العمل (٢) به ، اعتبارا بتلاوة المنسوخ من القرآن وإن لم يجز العمل بما فيه من الحكم (٣). ويجوز أن يمتحنهم بالإيمان بها (٤) [وإن لم يقفوا على حقيقة المراد ، فيكون هذا نوع امتحان ، وفي ذلك هدم لمذهب الاعتزال] (٤) حيث ادّعوا وجوب رعاية الأصلح.
ومنها : إقامة الحجة [بها] (٥) عليهم ؛ وذلك إنما نزل بلسانهم ولغتهم ، ثم عجزوا عن الوقوف على ما فيها مع بلاغتهم وأفهامهم ؛ فيدلّ على أن الذي أعجزهم عن الوقوف هو الذي أعجزهم عن تكرر الوقوف عليها ، وهو الله سبحانه.
الخامس : أثار بعضهم سؤالا وهو : هل للمحكم مزيّة على المتشابه بما يدل عليه ، أو هما سواء؟ والثاني خلاف الإجماع ، والأول ينقض أصلكم أن جميع كلامه سبحانه سواء ، وأنه نزل بالحكمة. وأجاب أبو عبد الله محمد بن أحمد البكرآباذي بأن المحكم كالمتشابه من
__________________
(١) تصحفت في المخطوطة إلى (إلى قوله).
(٢) في المخطوطة (العلم).
(٣) في المطبوعة (من المحكم).
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(٥) ساقطة من المخطوطة.