وجه ، ويخالفه من وجه ، فيتفقان في أنّ الاستدلال بهما لا يمكن إلا بعد معرفة حكمة الواضع ، وأنه لا يختار القبيح. ويختلفان في أن المحكم بوضع اللغة لا يحتمل إلا الوجه الواحد ، فمن سمعه أمكنه أن يستدلّ (١) به في الحال (١) ، والمتشابه يحتاج إلى ذكر مبتدا ونظر مجدّد عند (٢) سماعه ليحمله على الوجه المطابق ؛ ولأن المحكم اصل ، والعلم بالأصل أسبق ، ولأن المحكم يعلم مفصّلا ، والمتشابه لا يعلم إلا مجملا.
(فإن قيل) إذا كان المحكم بالوضع كالمتشابه ، وقد قلتم إنّ من حق هذه اللغة أن يصحّ فيها الاحتمال ويسوغ التأويل ، فبما يميّز المحكم في أنّه لا بدّ له من مزية ، سيما والناس قد اختلفوا فيهما كاختلافهم في المذاهب ، فالمحكم عند السّنّيّ متشابه عند القدريّ؟ (فالجواب) أنّ الوجه الذي أوردته يلجئ (٣) إلى الرجوع إلى العقول (٣) فيما يتعلق بالتفريد والتنزيه ، فإن العلم بصحة خطابه يفتقر إلى العلم بحكمته ، وذلك يتعلق بصفاته ، فلا بدّ من تقدم معرفته ليصح له مخرج كلامه ، فأما في [٨٧ / ب] الكلام فيما يدلّ على الحلال والحرام فلا بدّ من مزية للمحكم ، وهو أن يدلّ ظاهره على المراد أو يقتضي بالضمانة أنّه مما لا يحتمل الوجه الواحد.
وللمحكم في باب الحجاج عند غير المخالف مزية ، لأنه يمكن أن يبين له أنه مخالف للقرآن ، وأنّ ظاهر المحكم يدل على خلاف ما ذهب إليه ، وإن تمسّك بمتشابه القرآن ، وعدل عن محكمه ، لما أنه تمسّك بالشبه العقلية وعدل عن الأدلّة السمعية ، وذلك لطف وبعث على النظر ، لأن المخالف المتديّن يؤثر ذلك ليتفكر فيه ويعمل ، فإنّ اللغة وإن توقفت محتملة ، ففيها ما يدل ظاهره على أمر واحد ، وإن جاز صرفه إلى غيره بالدليل ، ثم يختلف ، ففيه ما يكره صرفه لاستبعاده في اللغة.
__________________
(١) في المخطوطة (في الحال به).
(٢) في المخطوطة (عن).
(٣) في المخطوطة (يرجي إلى الرجوع إلى القبول).