فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف ، مضمّنا أصحّ المعاني ، من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته ، ودعاء (١) إلى طاعته ، وبيان لطريق عبادته في تحليل وتحريم ، وحظر وإباحة ، ومن وعظ وتقويم ، وأمر بمعروف ونهي عن منكر ، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق ، وزجر عن مساويها ، واضعا (٢) كلّ شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه ، ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه ، مودعا أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن عصى وعاند منهم ، منبئا عن الكوائن المستقبلة في (٣) الأعصار الماضية من الزمان ، جامعا في ذلك بين الحجة والمحتجّ له ، والدليل (٤) والمدلول عليه ، ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه ، وإنباء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه.
ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور ، والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق ، أمر تعجز عنه قوى البشر ، ولا تبلغه قدرتهم ، فانقطع الخلق دونه ، وعجزوا عن معارضته بمثله ، ومناقضته (٥) في شكله ، ثم صار المعاندون له يقولون مرة : إنه شعر لمّا رأوه منظوما ، ومرّة إنه سحر لما رأوه معجوزا عنه ، غير مقدور عليه. [وقد] (٦) كانوا [٩٢ / أ] يجدون له وقعا في القلب ، وقرعا في (٧) النفس ، يريبهم ويحيرهم (٧) ، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف ، ولذلك (٨) قالوا : إن له لحلاوة (٩) ، وإن عليه لطلاوة. وكانوا مرة لجهلهم [وحيرتهم] (١٠) يقولون : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان : ٥) مع علمهم أن صاحبهم أمّيّ وليس بحضرته من يملي أو يكتب شيئا ؛ ونحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز.
وقد حكى الله [تعالى] (١١) عن بعض مردتهم ، وهو الوليد بن المغيرة المخزومي (١٢) ،
__________________
(١) في المخطوطة (ودعا).
(٢) في المخطوطة (ووضع).
(٣) في المخطوطة (وفي).
(٤) في المخطوطة (فالدليل).
(٥) في المخطوطة (أو مناقضته).
(٦) ساقطة من المخطوطة.
(٧) عبارة المخطوطة (النفوس ترميهم وتخيرهم).
(٨) في المخطوطة (وكذلك).
(٩) في المخطوطة (حلاوة).
(١٠) ساقطة من المخطوطة.
(١١) ليست في المخطوطة.
(١٢) هو عدو الله الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي كان من كبار المعاندين لدين الله أحد رؤساء قريش