وإن كان بعض الناس أحسن إحساسا له من بعض ؛ وهذا كما أن بعضهم يفطن (١) للوزن بخلاف بعض.
واختار أبو نصر بن القشيري (٢) في «تفسيره» التفاوت (٣) فقال : «وقد ردّ على الزجاج (٤) وغيره تضعيفهم قراءة (وَالْأَرْحامَ) (٥) (النساء : ١) بالجرّ : هذا من الكلام مردود عند أئمة الدين ؛ لأن القراءات السبع متواترة عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإذا ثبت فمن ردّ ذلك (٦) فكأنما ردّ على النبوّة ، وهذا مقام محذور ، لا يقلد فيه أئمة اللّغة والنحو. ولعلّهم أرادوا أنه
__________________
(١) في المخطوطة (تفطن).
(٢) هو عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو نصر القشيري الشافعي ، إمام الأئمة في التفسير والأصول. لازم إمام الحرمين حتى أحكم عليه المذهب ، والخلاف ، والأصول. سمع الحديث من أبيه وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم الزنجاني وجماعة. وله : «التيسير في التفسير» ت ٥١٤ ه (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ٢٩١). وتفسيره مخطوط في ليدن مكتبة بريل رقم : ٦٤٣ ، (انظر تذكرة النوادر : ٢٤) وقد نقل قوله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٤.
(٣) في المخطوطة (التقارب).
(٤) انظر قول الزجاج في كتابه إعراب القرآن ٢ / ٦ ـ ٧ (بتحقيق عبد الجليل عبده شلبي ، طبعة عالم الكتب ببيروت ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م) قال (وَالْأَرْحامَ) : القراءة الجيّدة نصب الأرحام. المعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، فأما الجرّ في الأرحام فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر ، وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : لا تحلفوا بآبائكم. فكيف يكون تساءلون به وبالرحم على ذا؟. رأيت أبا إسحق إسماعيل بن إسحاق يذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم ، وأن ذلك خاص لله ـ عزوجل ـ على ما أتت به الرواية.
فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الجر إلا بإظهار الجار ، يستقبح النحويّون : مررت به وزيد ، وبك وزيد ، إلا مع إظهار الخافض حتى يقولوا بك وبزيد ، فقال بعضهم : لأن المخفوض حرف متّصل غير منفصل ، فكأنّه كالتنوين في الاسم ، فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه. وقد فسر المازي هذا تفسيرا مقنعا فقال : الثاني في العطف شريك للأول ، فإن كان الأول يصلح شريكا للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له. قال : فكما لا تقول مررت بزيد و «ك» فكذلك لا يجوز مررت بك وزيد.
وقد جاز ذلك في الشعر ، أنشد سيبويه :
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيّام من عجب |
(٥) وهي قراءة حمزة ، والباقون بنصبها (التيسير : ٩٣) وانظر تفسير القرطبي ٥ / ٣ ـ ٤.
(٦) في المخطوطة (فمن رد بعد ذلك).