فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه ، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به ، ويقال : فسّرت الشيء أفسّره تفسيرا ، وفسّرته أفسره فسرا ، والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال ، وبمصدر الثاني منها سمّى أبو الفتح بن جنّي (١) كتبه الشارحة «الفسر».
وقال آخرون : هو مقلوب من «سفر» ومعناه أيضا الكشف ؛ يقال : سفرت المرأة سفورا ، إذا ألقت خمارها عن وجهها ، وهي سافرة ، وأسفر الصبح : أضاء ، وسافر فلان ؛ وإنما بنوه على التفعيل ؛ لأنه للتكثير ، كقوله تعالى : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) (البقرة : ٤٩) (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) (يوسف : ٢٣) فكأنه يتبع (٢) سورة بعد سورة ، وآية بعد أخرى.
وقال ابن عباس في قوله تعالى : (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان : ٣٣) أي تفصيلا (٣).
وقال الراغب : «الفسر (٤) والسّفر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما ، لكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول ، ومنه قيل لما ينبئ عنه البول : تفسرة ، وسمّي بها قارورة الماء ، وجعل السّفر لإبراز (٥) الأعيان للأبصار ، فقيل سفرت المرأة عن وجهها ، وأسفر الصبح (٦)».
وفي الاصطلاح : هو علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها ، والإشارات النازلة فيها ، ثم ترتيب مكّيها ومدنيها ، ومحكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصها وعامّها ، ومطلقها ومقيّدها ، ومجملها ومفسّرها.
وزاد فيها قوم فقالوا : علم حلالها وحرامها ، ووعدها ووعيدها ، وأمرها ونهيها ، وعبرها وأمثالها ؛ وهذا الذي منع فيه القول بالرأي.
وأما التأويل فأصله في اللغة من الأول ، ومعنى قولهم : ما تأويل هذا الكلام؟ أي إلى ما (٧) تؤول العاقبة في المراد به؟ كما قال تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) (الأعراف : ٥٣) أي
__________________
(١) هو عثمان بن جني ، أبو الفتح. تقدم التعريف به في ١ / ٣٦١ وكتابه «الفسر» أو شرح ديوان أبي الطيب المتنبي» طبع بتحقيق صفاء خلوصي في بغداد بدار الجمهورية عام ١٣٩٠ ه / ١٩٧٠ م وأعادت طبعه وزارة الثقافة عام ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م ويقوم محمد مهدي أحمد ، الأستاذ في قسم العربية بجامعة الخرطوم بتحقيقه (أخبار التراث العربي ١٥ / ٢٣).
(٢) في المخطوطة (تتبع).
(٣) أخرجه الطبري في التفسير ١٩ / ٩ ، عن تفسير الآية ، وابن أبي حاتم وابن مردويه (ذكره السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٧٠).
(٤) في المخطوطة (السفر) وانظر المفردات ص ٣٨٠.
(٥) عبارة المخطوطة (... لأنه نور الأعيان ...).
(٦) المفردات في غريب القرآن ص : ٣٨٠ بتصرف.
(٧) في المطبوعة (إلام).