وأصاب الحق فقد أخطأ الطريق ، وإصابته اتفاق ، إذ الغرض أنه مجرّد رأي لا شاهد (١) له ، وفي الحديث أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «القرآن ذلول ذو وجوه [محتملة] (٢) فاحملوه على أحسن وجوهه» (٣). (٤) [وقوله «ذلول» يحتمل وجهين : أحدهما أنه مطيع لحامليه ، ينطق بألسنتهم. الثاني أنه موضّح لمعانيه حتى لا تقصر عنه أفهام المجتهدين] (٤). وقوله : «ذو وجوه» يحتمل معنيين : أحدهما أن من ألفاظه ما يحتمل وجوها من التأويل ، والثاني أنه قد جمع وجوها من الأوامر والنواهي ، والترغيب والترهيب ، والتحليل والتحريم. وقوله : «فاحملوه على أحسن وجوهه» يحتمل أيضا وجهين : (أحدهما) الحمل على أحسن معانيه.
(والثاني) أحسن ما فيه من العزائم دون الرّخص ، والعفو دون الانتقام ؛ وفيه دلالة ظاهرة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله».
وقال أبو الليث : النهي إنما انصرف إلى المتشابه (٥) منه ؛ لا إلى جميعه ؛ كما قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) (آل عمران : ٧) لأن القرآن إنما نزل حجّة على الخلق ؛ فلو لم يجز التفسير لم تكن الحجّة بالغة ؛ فإذا كان كذلك جاز لمن عرف لغات العرب وشأن النزول أن يفسّره ، وأما من كان من المكلّفين ولم يعرف وجوه اللغة ، فلا يجوز أن يفسّره إلا بمقدار ما سمع ، فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على سبيل التفسير ، فلا بأس [به] (٥) ولو أنه يعلم التفسير ، فأراد أن يستخرج من الآية حكمة أو دليلا لحكم فلا بأس به. ولو قال : المراد من الآية كذا من غير أن يسمع (٦) منه شيئا فلا يحلّ ، وهو الذي نهى عنه. انتهى.
وقال الراغب (٧) في مقدمة «تفسيره» : اختلف الناس في تفسير القرآن : هل يجوز
__________________
(١) تصحفت في المخطوطة إلى (الإشهاد).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) الحديث أخرجه الدار قطني في السنن ٤ / ١٤٤ ، في النوادر والأحاديث المتفرقة ، الحديث (٨). وذكره السيوطي في الإتقان ٤ / ١٨٤ وقال : «أخرجه أبو نعيم وغيره من حديث ابن عباس» وليس في «الحلية».
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٥) في المخطوطة (المشابهة).
(٦) ساقطة من المخطوطة.
(٧) في المطبوعة : (سمع).
(٨) تقدمت ترجمة الراغب الأصفهاني في ١ / ٢١٨ ، وتقدم التعريف بالكتاب ٢ / ٢٠٣.