تفسير القرآن به. وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز ، وهذا معنى قول الصّديق : «أيّ سماء تظلّني وأيّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي (١)!».
وقال في «المدخل» : في هذا الحديث نظر ، وإن صحّ فإنما أراد ـ والله أعلم ـ : فقد أخطأ الطريق ، فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة ، وفي معرفة ناسخه ومنسوخه ، وسبب نزوله ، وما يحتاج فيه إلى بيانه إلى أخبار الصحابة ؛ الذين شاهدوا تنزيله ، وأدّوا إلينا من سنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما يكون تبيانا لكتاب الله ، قال الله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل : ٤٤). فما ورد بيانه عن صاحب الشرع ، ففيه كفاية عن ذكره من بعده ، وما لم يرد عنه بيان (٢) ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده ، ليستدلّوا بما ورد بيانه على ما لم يرد (٣). ـ قال ـ وقد يكون [١٠٢ / ب] المراد به من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه ، فتكون موافقته للصواب ـ وإن وافقه من حيث لا يعرفه ـ غير محمودة.
وقال الإمام أبو الحسن الماورديّ (٤) في «نكته» : قد حمل بعض المتورّعة هذا الحديث على ظاهره ، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده. ولو صحبتها (٥) الشواهد ، ولم يعارض شواهدها نصّ صريح. وهذا عدول عما تعبّدنا بمعرفته (٦) من النظر في القرآن واستنباط الأحكام منه ، كما قال تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء : ٨٣).
ولو صحّ ما ذهب إليه لم يعلم شيء [إلا] (٧) بالاستنباط ، ولما فهم الأكثر من كتاب الله شيئا ، وإن صح الحديث فتأويله أنّ من تكلم في القرآن بمجرد رأيه ولم يعرج على سوى لفظه
__________________
(١) تقدم تخريجه في ١ / ٣٩٩.
(٢) في المخطوطة (بيانه).
(٣) في المخطوطة (من يرد).
(٤) الماوردي تقدم ذكره في ١ / ٢٧٤ ، وكتابه «النكت» طبع في الكويت بتحقيق خضر محمد خضر نشر وزارة الأوقاف عام ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م ، وحققه محمد بن عبد الرحمن الشائع كرسالة دكتوراه في الرياض بجامعة محمد بن سعود (أخبار التراث العربي ٢ / ٩ و ٧ / ٢٦ و ٨ / ٣٠).
(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (توضيحها).
(٦) في المطبوعة (من معرفته).
(٧) ساقطة من المخطوطة والمطبوعة وما أثبتناه من الإتقان ٤ / ١٨٣.