من كان يريد أن يعزّ أو تكون العزة (١) له ؛ لكن قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) (فاطر : ١٠) يحتمل أن يكون معناها : من كان يريد أن يعلم لمن العزة ، فإنها لله.
وكذلك قوله : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) (المائدة : ٣٣) فإنه لا دلالة فيها على الحال التي هي شرط في عقوبته المعيّنة ، وأنواع المحاربة والفساد كثيرة ، وإنما استفيدت الحال من الأدلة الدالة على أن القتل على من قتل ولم يأخذ المال ، والصّلب على من جمعهما ، والقطع على من أخذ المال ولم يقتل ، والنّفي على من لم يفعل شيئا من ذلك سوى السعي في الأرض بالفساد.
(الرابع) : دلالة السياق ، فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد ، وتخصيص العام وتقييد المطلق ، وتنوع الدلالة ، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم ، فمن أهمله غلط في نظيره ، وغالط في مناظراته ، وانظر (٢) إلى قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (الدخان : ٤٩) كيف تجد سياقه يدلّ على أنه الذليل الحقير.
(الخامس) : ملاحظة النقل عن المعنى الأصلي ، وذلك أنه قد يستعار الشيء لمشابهه (٣) ثم يستعار من المشابه لمشابه المشابه ، ويتباعد عن المسمّى الحقيقي بدرجات ، فيذهب عن الذهن الجهة المسوّغة لنقله من الأول إلى الآخر ؛ وطريق معرفة ذلك بالتدريج ، كقوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران : ٢٨) وذلك أنّ أصل «دون» للمكان الذي هو أنزل من مكان غيره ، ومنه الشيء الدون للحقير ، ثم استعير للتفاوت في الأحوال والرتب ، فقيل : زيد دون عمرو في العلم والشرف ، ثم اتسع فيه ، فاستعير في كل ما يتجاوز حدّا إلى حدّ ، وتخطّى حكما إلى [حكم] (٤) آخر ، كما في الآية المذكورة ، والتقدير : لا تتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين.
وكذلك قوله تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) (البقرة : ٢٣) أي تجاوزوا [الله] (٥) في دعائكم إلى دعاء آلهتكم ، الذين تزعمون أنهم يشهدون لكم يوم القيامة ، أي لا
__________________
(١) في المخطوطة (يكون العز).
(٢) في المخطوطة (فانظر).
(٣) في المخطوطة (للمشابهة).
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.