وقوله : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ) (الصف : ١١) معناه : آمنوا وجاهدوا ، ولذلك (١) أجيب بالجزم في قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (٢) وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ (الصف : ١٢) ولا يصح أن يكون جوابا للاستفهام في قوله : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) (الصف : ١٠) لأن المغفرة وإدخال الجنان لا يترتبان (٣) [على] (٤) مجرد الدلالة ؛ قاله أبو البقاء (٥) والشيخ عز الدين (٦).
والتحقيق ما قاله النيليّ (٧) أنه جعل الدلالة على التجارة سببا لوجودها ، والتجارة هي الإيمان ، ولذلك (٨) فسّرها بقوله : (تُؤْمِنُونَ) (الصف : ١١) فعلم أن التجارة من جهة الدلالة هي الإيمان فالدلالة سبب الإيمان ، والإيمان سبب الغفران ، وسبب السبب سبب. وهذا النوع فيه تأكيد ؛ وهو من مجاز التشبيه ، شبه الطلب في تأكده بخبر الصادق الذي لا بدّ من وقوعه ، وإذا شبهه بالخبر الماضي كان آكد.
ومنه عكسه كقوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (مريم : ٧٥) والتقدير : مدّه الرحمن مدّا. وقوله : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) (العنكبوت : ١٢) أي نحمل. قال الكواشي (٩) : والأمر بمعنى الخبر أبلغ من الخبر لتضمنه اللزوم ، نحو : إن زرتنا
__________________
(١) في المخطوطة (وكذلك).
(٢) تصحفت في المخطوطة والمطبوعة إلى (من ذنوبكم).
(٣) في المخطوطة (يترتب).
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) هو عبد الله بن الحسين ، أبو البقاء العكبري وانظر قوله في كتابه إملاء ما من به الرحمن ٢ / ٢٦٠ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٦) هو عبد العزيز بن عبد السلام ، عز الدين أبو محمد ، وانظر قوله في كتابه الإشارة إلى الإيجاز ص ٢٧ ـ ٢٨.
(٧) هو محمد بن الحسن بن أبي سارة أبو جعفر الرؤاسي النيلي ، كان ينزل النيل فقيل له النيلي ، وسمي الرؤاسي لكبر رأسه ، وكان أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو. قال ثعلب : «كان الرؤاسي أستاذ علي بن حمزة الكسائي والفرّاء ، وسئل الفرّاء عن الرؤاسي فأثنى عليه» ، وقال أبو الطيب اللغوي في كتاب «المراتب» : «وممن أخذ عن أبي عمرو بن العلاء من أهل الكوفة : أبو جعفر الرؤاسي عالم أهل الكوفة». من تصانيفه «الفيصل» و «معاني القرآن» و «الوقف والابتداء» توفي في أيام الرشيد قبل سنة ١٩٣ ه (معجم الأدباء ١٨ / ١٢١).
(٨) في المخطوطة (وكذلك).
(٩) هو أحمد بن يوسف بن حسن الكواشي ، صاحب التفسير ، تقدم التعريف به في ١ / ٢٧٢ ، وذكر قوله السيوطي في الإتقان ٣ / ١٢٠.