وقوله [١٢٢ / ب] تعالى : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) (يوسف : ١٨) أي مكذوب فيه ، وإلا لو كان على ظاهره لأشكل ، لأن الكاذب من صفات الأقوال لا الأجسام. وقال الفراء (١) : يجوز في النحو : «بدم كذبا» بالنصب على المصدر ؛ لأن (جاؤُ) فيه معنى «كذبوا كذبا» كما قال تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (العاديات : ١) لأن «العاديات» بمعنى «الضّابحات». وعكسه (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ [لِما]) (٢) عَلَّمْناهُ (يوسف : ٦٨).
ومنه «فعيل» بمعنى الجمع ؛ كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (التحريم : ٤) وقوله : (خَلَصُوا نَجِيًّا) (يوسف : ٨٠). وقوله : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (النساء : ٦٩). وشرط بعضهم أن يكون المخبر عنه جمعا ، وأنه لا يجيء ذلك في المثنّى ؛ ويردّه قوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (ق : ١٧) فإنه نقل الواحدي عن المبرّد ، وابن عطية (٣) عن الفرّاء أن «قعيد» أسند (٤) لهما.
وقد يقع الإخبار بلفظ الفرد عن لفظ الجمع ، وإن أريد معناه لنكتة ، كقوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) (القمر : ٤٤) فإنّ سبب النزول وهو قول أبي جهل «نحن ننتصر اليوم» (٥) يقضي بإعراب «منتصر» خبرا.
ومنه إطلاق الخبر وإرادة الأمر ، كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) (البقرة : ٢٣٣) (٦) [أي ليرضع الوالدات أولادهنّ] (٦). وقوله : (يَتَرَبَّصْنَ) (٧) [بِأَنْفُسِهِنَ (البقرة : ٢٣٤) أي تتربص] (٧) المتوفّى عنها (٨). وقوله : (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) (يوسف : ٤٧) والمعنى «ازرعوا سبع سنين» ، بدليل قوله : (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) (يوسف : ٤٧).
__________________
(١) انظر معاني القرآن ٢ / ٣٨.
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) هو عبد الحق بن غالب الغرناطي تقدم في ١ / ١٠١. وانظر معاني القرآن للفراء ٣ / ٧٧.
(٤) في المخطوطة (مستند إليهما).
(٥) سبب النزول ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٤٨. أن أبا جهل ضرب فرسه يوم بدر ، فتقدّم في الصف وقال : «نحن ننتصر من محمد وأصحابه ، فنزلت : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ).
(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٨) في المخطوطة (عنهن) ، وفي المخطوطة زيادة بعد كلمة عنهن هي (وقوله والمطلقات يتربصن).