ومثله (١) قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ) (النحل : ٦١) المعنى قارب ، وبه يندفع السؤال المشهور فيها ، إن عند (٢) مجيء الأجل لا يتصور تقديم ولا تأخير وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) (البقرة : ١٨٠) أي قارب حضور الموت.
وقوله تعالى : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ* لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ* فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) (الشعراء : ٢٠٠ ـ ٢٠٢) أي حتى يشارفوا الرؤية ويقاربوها. ويحتمل أن تحمل الرؤية على حقيقتها ؛ وذلك على أن يكون : يرونه فلا يظنونه عذابا. (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) (الطور : ٤٤) (٣) [أي يعتقدونه عذابا] (٣) ولا يظنونه واقعا بهم ، [وحينئذ] (٤) فيكون أخذه لهم بغتة بعد رؤيته.
ومن دقيق هذا النوع قوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) (هود : ٤٥) المراد قارب النداء ، لا أوقع النداء ، لدخول الفاء في (فَقالَ) فإنه لو وقع النداء لسقطت ، وكان ما ذكر تفسيرا للنداء ، كقوله تعالى : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ) (آل عمران : ٣٨) [١٢٣ / ب] ، وقوله : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا* قالَ رَبِ) (مريم : ٣ ـ ٤) لمّا فسّر النداء سقطت الفاء. وذكر النحاة أن هذه الفاء تفسيرية ؛ لأنها عطفت مفسّرا على مجمل ، كقوله : «توضأ فغسل وجهه» وفائدة ذلك أن نوحا عليهالسلام أراد ذلك ، فرد القصد إليه ولم يقع ، لا عن قصد.
ومنه قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) (النساء : ٩) أي وليخش الذين إن شارفوا أن يتركوا ، وإنما أوّل الترك بمشارفة الترك ؛ لأنّ الخطاب للأوصياء إنما يتوجه إليهم قبل الترك ؛ لأنهم بعده أموات.
وقريب منه إطلاق الفعل وإرادة إرادته ، كقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) (النحل : ٩٨) أي إذا أردت. وقوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (المائدة : ٦) أي
__________________
(١) في المخطوطة (ومنه).
(٢) في المخطوطة (عندي).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة.
(٤) ساقطة من المخطوطة.