يألفون ؛ والمراد تعريفهم الأحكام فكان لا بدّ من التصريح به ؛ على أنّ الغائط أيضا كناية عن النّجو (١) ؛ وإنما هو في الأصل اسم للمكان المنخفض من الأرض ؛ وكانوا إذا أرادوا قضاء حاجتهم أبعدوا عن العيون إلى منخفض من الأرض ، فسمّي منه لذلك ؛ ولكنه كثر (٢) استعماله في كلامهم ؛ فصار بمنزلة التصريح (٣).
وما ذكرناه في قوله تعالى : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) (المائدة : ٧٥) هو المشهور ، وأنكره الجاحظ ، وقال : بل الكلام على ظاهره ، ويكفي في الدلالة على عدم الإلهيّة (٤) نفس أكل الطعام ، لأن الإله هو الذي لا يحتاج إلى شيء يأكله ؛ ولأنه كما لا يجوز أن يكون المعبود محدثا ، كذلك لا يجوز أن يكون طاعما ، قال الخفاجيّ (٥) : «وهذا صحيح».
(ويقال لهما) : الكناية عن الغائط (٦) فيه تشنيع وبشاعة على من اتخذهما (٧) آلهة ، فأما قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) (الفرقان : ٢٠) فهو على حقيقته. قال الوزير ابن هبيرة (٨) : وفي هذه الآية فضل العالم المتصدّي للخلق على الزاهد المنقطع ، فإنّ النبيّ كالطبيب ، والطبيب يكون عند المرضى ، فلو انقطع عنهم هلكوا.
ومنه قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل : ٥) كنى به عن مصيرهم إلى العذرة ، فإن الورق إذا أكل انتهى حاله إلى ذلك.
__________________
(١) في المخطوطة (التجوز).
(٢) في المخطوطة (أكثر).
(٣) في المخطوطة (الصريح).
(٤) في المخطوطة (إلاهية).
(٥) هو عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان تقدم التعريف به في ١ / ١٥٣ وانظر قوله في كتابه سر الفصاحة ص ١٦٦ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٦) في المخطوطة (الغاية).
(٧) في المخطوطة (اتخذ بهما).
(٨) هو يحيى بن محمد بن هبيرة أبو المظفر الشيباني الدوري العراقي الحنبلي. الوزير الكامل والإمام العادل ، دخل بغداد في صباه ، وطلب العلم وجالس الفقهاء ، وسمع الحديث ، وتلا بالسبع ، وشارك في علوم الإسلام ، ومهّد في اللغة ، وكان ديّنا خيّرا متعبدا عاقلا وقورا من مصنفاته «الإفصاح عن معاني الصحاح» و «العبادات» وغيرها. ت ٥٦٠ ه (سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٢٦).