وقوله تعالى : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) (فصلت : ٢١) أي لفروجهم ، فكنى عنها بالجلود ، على ما ذكره المفسرون. (فإن قيل) : فقد قال الله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) (الأنبياء : ٩١) فصرّح بالفرج؟ (قلنا) : أخطأ من توهّم هنا الفرج الحقيقيّ ، وإنما هو من لطيف الكنايات وأحسنها ، وهي كناية عن فرج القميص ، أي لم يعلق ثوبها ريبة ، فهي طاهرة الأثواب ، وفروج القميص أربعة : الكمّان والأعلى والأسفل ، وليس المراد غير هذا ، فإن القرآن أنزه معنى ، وألطف إشارة ، وأملح عبارة من أن يريد ما ذهب إليه وهم الجاهل ، لا سيما والنفخ من روح القدس بأمر القدّوس ، فأضيف القدس إلى القدوس ، ونزّهت القانتة المطهّرة عن الظن الكاذب والحدس. ذكره صاحب «التعريف والإعلام» (١).
ومنه قوله تعالى : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) (النور : ٢٦) يريد الزناة. وقوله تعالى : (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) (الممتحنة : ١٢) فإنه كناية عن الزنا. (وقيل) : أراد طرح الولد على زوجها من غيره ؛ لأن بطنها بين يديها ورجليها وقت الحمل (٢). وقوله (٣) تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) (البقرة : ١٩) وإنما يوضع في الأذن السبّابة ، فذكر الإصبع وهو الاسم العامّ أدبا ، لاشتقاقها من السب (٤) ، ألا تراهم كنّوا عنها بالمسبّحة ، والدّعاءة ، وإنما يعبّر بهما عنها لأنها ألفاظ مستحدثة. قاله الزمخشري (٥).
وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في «شرح الإلمام» (٦) : يمكن أن يقال إن ذكر
__________________
(١) هو عبد الرحمن بن عبد الله ، أبو القاسم السهيلي تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢ ، وانظر قوله في الكتاب ص ١١٥ (طبعة دار الكتب العلمية بتحقيق عبد. ا. مهنا).
(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (ومنه الجمل).
(٣) في المخطوطة (وهو).
(٤) في المخطوطة (لاستقام السبب).
(٥) انظر الكشاف ١ / ٤٢.
(٦) هو محمد بن علي بن وهب بن مطبع ، ابن دقيق العبد تقدم التعريف به في ٢ / ٣٣٨ ، وكتابه «الإلمام في أحاديث الأحكام» طبع بتحقيق محمد سعيد المولوي بدار الفكر في دمشق عام ١٣٨٣ ه / ١٩٦٣ م وطبع ثانيا بتحقيق غدير محمد غدير المطيري في الكويت عام ١٤٠٥ ه / ١٩٨٥ م ، وشرحه المؤلف ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة ٤ / ٩٢ وذكره السبكي في طبقات الشافعية ٦ / ٤ ، وحاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ١٥٨ وقال : «... ثم شرحه وبرع فيه وسمّاه «الإمام» ولكن عبارة حاجي خليفة مباينة للصواب حيث يفهم من عبارتي ابن حجر السبتي ، أنه صنف «الإلمام» ، و «شرحه» فخرّج منه أحاديث يسيرة في مجلدين ولم يكمل شرحه ، وجمع كتاب «الإمام» في عشرين مجلدة ، إذا كتابه «الإمام» غير شرح «الإلمام» والله أعلم.