* ومنه (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ) (التحريم : ١٢) مدت التاء تنبيها على معنى الولادة والحدوث من النطفة المهينة ، ولم يضف في القرآن ولد إلى والد ووصف به اسم الولد إلا عيسى وأمه عليهماالسلام ، لما اعتقد النصارى فيهما أنهما إلهان ، فنبّه سبحانه بإضافتهما الولادية على جهة حدوثهما [بعد عدمهما] (١) ، حتى أخبر تعالى في موطن بصفة الإضافة دون الموصوف وقال : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) (المؤمنون : ٥٠) لمّا غلوا في إلاهيته أكثر من أمّه ، كما نبّه تعالى على حاجتهما وتغيّر أحوالهما في الوجود ، يلحقهما ما يلحق البشر ، قال الله تعالى : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) (المائدة : ٧٥).
* ومنه «امرأة» هي في [سبعة] (٢) مواضع وهي : خمس من النساء : (امْرَأَتُ عِمْرانَ) (آل عمران : ٣٥) و (امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) (القصص : ٩ والتحريم : ١١) ، و (امْرَأَتَ نُوحٍ) (التحريم : ١٠) ، و (امْرَأَتَ لُوطٍ) (التحريم : ١٠) ، و (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ) (يوسف : ٣٠ و ٥١). كلها ممدودة تنبيها على فعل التبعّل والصحبة وشدة المواصلة والمخالطة والائتلاف في الموجود والمحسوس ، وأربع منهنّ منفصلات في بواطن أمرهنّ عن بعولتهن بأعمالهن. وواحدة خاصة واصلت بعلها باطنا وظاهرا ، وهي امرأت عمران ، فجعل الله لها ذرّية طيبة ، وأكرمها بذلك وفضّلها على العالمين ، وواحدة من الأربع انفصلت بباطنها عن بعلها طاعة لله ، وتوكّلا عليه وخوفا منه ، فنجّاها وأكرمها ، وهي امرأت فرعون ، واثنتان [منهنّ] (٣) انفصلتا عن أزواجهما كفرا بالله فأهلكهما الله ودمرهما ، ولم ينتفعا بالوصلة الظاهرة ، مع أنها أقرب وصلة بأفضل أحباب الله. كما لم تضرّ امرأت فرعون وصلتها الظاهرة بأخبث عبيد الله ، وواحدة انفصلت عن بعلها بالباطن اتباعا للهوى وشهوة نفسها ، فلم تبلغ من ذلك مرادها ، مع تمكنها من الدنيا واستيلائها على من مالت إليه بحبها وهو في بيتها وقبضتها ، فلم يغن ذلك عنها شيئا ، وقوتها وعزتها إنما كانا لها من بعلها «العزيز» ولم ينفعها ذلك في الوصول إلى إرادتها مع عظيم كيدها ، كما لم يضرّ يوسف ما امتحن به منها ، ونجّاه الله من السجن ، ومكّن له في الأرض ، وذلك بطاعته لربّه ، ولا سعادة إلا بطاعة الله ، ولا شقاوة إلا بمعصيته ؛ فهذه كلّها عبر وقعت بالفعل في الوجود ، في شأن كل امرأة منهنّ ، فلذلك مدّت تاءاتهنّ.
__________________
(١) ساقط من المخطوطة.
(٢) عبارة المخطوطة فيها سقط (ومنه «امرأة» هي في خمس مواضع من النساء) والصواب ما أثبتناه ، وانظر المقنع للداني ص ٧٨ باب ذكر ما رسم في المصاحف من هاءات التأنيث بالتاء ... ، ذكر المرأة.
(٣) ساقطة من المخطوطة.