أربع سنين (١)». وما ألطف ما عاتب [الله به] (٢) خير خلقه بقوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة : ٤٣) ولم يتأدب الزمخشري بأدب الله تعالى في هذه الآية (٣).
(الخامس) : التبكيت ، كقوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) (المائدة : ١١٦) هو تبكيت للنصارى فيما ادّعوه ؛ كذا جعل السكاكيّ (٤) وغيره هذه الآية من نوع التقرير. وفيه نظر لأن ذلك لم يقع منه.
(السادس) : التسوية ، وهي الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها ، كقوله تعالى : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (يس : ١٠) أي سواء عليهم الإنذار وعدمه ، مجرّدة (٥) للتسوية ، مضمحلا عنها معنى الاستفهام. ومعنى الاستواء فيه استواؤهما في علم المستفهم ، لأنه قد علم أنه أحد الأمرين كائن ، إما الإنذار وإما عدمه ؛ ولكن لا يعيّنه ، وكلاهما معلوم بعلم غير معيّن.
فإن قيل : الاستواء يعلم من لفظة «سواء» (٦) [لا من الهمزة ، مع أنه لو علم منه لزم التكرار. قيل : هذا الاستواء غير ذلك الاستواء المستفاد من لفظة «سواء»] (٦).
وحاصله أنه كان الاستفهام عن مستويين فجرّد عن الاستفهام ، وبقي الحديث عن المستويين. ولا يكون ضرر في إدخال «سواء» عليه لتغايرهما ، لأن المعنى أن المستويين في العلم يستويان في عدم الإيمان. وهذا ـ أعني حذف مقدّر واستعماله فيما بقي ـ كثير في كلام العرب ، كما في النداء ، فإنه لتخصيص المنادى وطلب إقباله ، فيحذف قيد الطلب ، ويستعمل في مطلق (٧) الاختصاص ، نحو «اللهم اغفر لنا أيتها العصابة» (٨) فإنه ينسلخ عن
__________________
(١) الحديث أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٣١٩ ، كتاب التفسير (٥٤) ، باب في قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ ...) ، الحديث (٢٤ / ٣٠٢٧).
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) انظر قول الزمخشري في الكشاف ٢ / ١٥٣ وتعليق ابن حجر رحمهالله وابن المنير عليه.
(٤) انظر مفتاح العلوم ص ٢٩٠ : فصل في بيان القصر ، وص ٣١٥ : الاستفهام.
(٥) في المخطوطة (فجردت).
(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٧) في المخطوطة (بمطلق).
(٨) انظر الكتاب لسيبويه ٣ / ١٧٠ ، باب أم وأو (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) قال السيرافي : لأنك لست تناديه وإنما تختصه فتجريه على حرف النداء ، لأن النداء فيه اختصاص فيشبه به للاختصاص لأنه منادى.