في الخبر ، ولو لم تفد (١) لفظة الهمزة استفهاما لما استحق الجواب ، إذ لا سؤال حينئذ.
والجواب يتوقف على مقدّمة ، وهي أن الاستفهام إذا دخل على النفي ، يدخل بأحد وجهين : إما أن يكون الاستفهام عن النفي : هل وجد أم لا؟ فيبقى النفي على ما كان عليه ، أو للتقرير كقوله (٢) : ألم أحسن إليك! وقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الانشراح : ١) (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) (الضحى : ٦).
فإن كان بالمعنى الأول لم يجز (٣) دخول «نعم» في جوابه إذا أردت إيجابه ، بل تدخل عليه «بلى». وإن كان بالمعنى الثاني ـ وهو التقرير ـ فللكلام (٤) حينئذ لفظ ومعنى ، فلفظه نفي داخل عليه الاستفهام ، ومعناه الإثبات ؛ فبالنظر إلى لفظه تجيبه ببلى ، وبالنظر إلى معناه ، وهو كونه إثباتا تجيبه بنعم.
وقد أنكر عبد القاهر (٥) كون الهمزة للإيجاب ؛ لأن الاستفهام يخالف الواجب ، وقال : إنها إذا دخلت على «ما» أو «ليس» يكون تقريرا وتحقيقا ، فالتقرير كقوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) (المائدة : ١١٦) (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا) (الأنبياء : ٦٢).
واعلم أن هذا النوع يأتي على وجوه :
(الأول) : مجرد الإثبات ، كما ذكرنا.
(الثاني) : الإثبات (٦) مع الافتخار ؛ كقوله تعالى عن فرعون : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) (الزخرف : ٥١).
(الثالث) : الإثبات (٦) مع التوبيخ ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً) (النساء : ٩٧) أي هي واسعة ، فهلاّ هاجرتم فيها!
(الرابع) : مع العتاب ، كقوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) (الحديد : ١٦) قال ابن مسعود : «ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا
__________________
(١) في المخطوطة (يعد).
(٢) في المخطوطة (كقولك).
(٣) في المخطوطة (يحسن).
(٤) في المخطوطة (فله كلام).
(٥) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني وانظر دلائل الإعجاز : ٨٨ و ٨٩.
(٦) في المخطوطة (للإثبات).