وقد يجيء التأكيد به مع حذف عامله ، كقوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (محمد صلىاللهعليهوسلم : ٤) والمعنى : «فإما تمنوا منّا ، وإما أن تفادوا فداء» فهما (١) مصدران منصوبان بفعل مضمر.
وجعل سيبويه (٢) من المصدر المؤكّد لنفسه قوله تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (السجدة : ٧) (٣) [لأنه إذا أحسن كلّ شيء فقد خلقه خلقا حسنا ، فيكون (خَلَقَهُ) على معنى «خلقه خلقا» ، والضمير هو الله تعالى. ويجوز أن يكون بدل اشتمال ، أي أحسن خلق كلّ شيء] (٣). قال الصّفار (٤) : والذي قاله سيبويه أولى لأمرين : أن في هذا إضافة المصدر إلى المفعول وإضافته إلى الفاعل أكثر ، وأن المعنى الذي صار إليه أبلغ في الامتثال ، وذلك أنه إذا قال : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ) فهو أبلغ من قولك : «أحسن خلق كلّ شيء» (٥) [لأنه قد يحسن الخلق وهو المحاولة ، ولا يكون الشيء في نفسه حسنا ، وإذا قال : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ)] (٥) اقتضى أنّ كلّ شيء خلقه حسن ، بمعنى أنه وضع كلّ شيء موضعه ، فهو أبلغ في الامتنان.
فائدتان
(الأولى) : هل الأولى التأكيد بالمصدر أو الفعل؟ قال بعضهم : المصدر أولى ؛ لأنه اسم ، وهو أخفّ من الفعل ؛ وأيضا فلأن الفعل يتحمل الضمير فيكون جملة ، فيزداد ثقلا ؛ ويحتمل أن الفعل أولى لدلالته على الاستمرار.
(الثانية) : حيث أكّد المصدر النوعي ، فالأصل فيه أن ينعت بالوصف المراد منه ، نحو «قمت قياما حسنا» ، (وَسَرِّحُوهُنَ) (٦) [١٤٠ / ب](سَراحاً جَمِيلاً) (الأحزاب : ٤٩) وقوله : (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب : ٤١). وقد يضاف الوصف إلى المصدر فيعطى حكم المصدر ، قال تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (آل عمران : ١٠٢).
***
__________________
(١) في المخطوطة (هما).
(٢) انظر الكتاب ١ / ٣٨١ ، (بتحقيق عبد السلام محمد هارون) باب ما يكون المصدر فيه توكيدا لنفسه نصبا.
(٣) ما بين الحاصرتين ليس في المخطوطة.
(٤) هو القاسم بن علي البطليوسيّ الصفار ، تقدمت ترجمته في ٢ / ٤٥١.
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٦) تصحفت في المخطوطة إلى (فسرحوهن).