(الثاني) (١) : الحال المؤكدة ؛ وهي الآتية على حال واحدة ، عكس المبيّنة ، فإنها لا تكون إلا منتقلة ، وهي لتأكيد الفعل كما سبق في المصدر المؤكد لنفسه ؛ وسمّيت مؤكدة لأنها تعلم قبل ذكرها ؛ [فيكون ذكرها] (٢) توكيدا ، لأنها (٣) معلومة من ذكر صاحبها. كقوله تعالى : (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (مريم : ٣٣). وقوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (العنكبوت : ٣٦) (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) (النمل : ١٩) لأن معنى «تبسم» ضحك مسرورا. وقوله : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (النساء : ٧٩) (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة : ٨٣) وذكر الإعراض للدلالة على تناهي حالهم في الضلال ، ومثله (أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة : ٨٤) إذ معنى الإقرار أقرب من الشهادة ولأن الإعراض والشهادة حالان لهم عند التولي والإقرار. وقوله : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (ق : ٣١) وقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (هود : ١٠٨) فإنه حال مؤكدة لقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) (هود : ١٠٨) وبهذا يزول الإشكال في أن شرط الحال الانتقال ؛ ولا يمكن ذلك هنا ؛ [فإنا] (٤) نقول : ذلك شرط في غير المؤكدة ولما لم يقف ابن جني على ذلك قدّر محذوفا ، أي معتقدا خلودهم فيها ؛ لأن اعتقاد ذلك أمر ثابت عند غير المؤمنين ، فلهذا ساغ مجيئها غير منتقلة.
ومنهم من نازع في التأكيد في بعض ما سبق ؛ لأن الحال المؤكدة مفهومها مفهوم عاملها ، وليس كذلك التبسم والضحك ، فإنه قد يكون من غير ضحك ، بدليل قوله : «تبسم تبسّم الغضبان». وكذلك التولية والإدبار في قوله تعالى : (وَلَّى مُدْبِراً) (النمل : ١٠) (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (التوبة : ٢٥) فإنهما بمعنيين مختلفين ، فالتولية أن يولي الشيء ظهره ، والإدبار أن يهرب منه ، فليس كل مولّ مدبرا ، ولا كل مدبر مولّيا.
ونظيره قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (النمل : ٨٠) فلو كان أصمّ مقبلا لم يسمع ، فإذا ولّى ظهره كان أبعد له من السماع (٥) ، فإذا
__________________
(١) هذا الأمر الثاني مما يلتحق بالتأكيد الصناعي وقد تقدم الأول ص ٤٩١.
(٢) ساقط من المخطوطة.
(٣) في المخطوطة (لا أنها).
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) في المخطوطة (الاسماع).