وقد يجيء مع التأكيد في تقدير سؤال السائل (١) إذا تقدمها من الكلام ما يلوح نفسه للنفس ، كقوله تعالى : (اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج : ١) أمرهم بالتقوى ثم علّل وجوبها مجيبا لسؤال مقدّر بذكر الساعة ، واصفا لها بأهول وصف ، ليقرر عليه الوجوب. وكذا قوله تعالى : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود : ٣٧) أي [لا] (٢) تدعني في شأنهم واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك ، لأنهم محكوم عليهم بالإغراق ، وقد جفّ به القلم فلا سبيل إلى كفه عنهم.
ومثله في النهي عن الدعاء لمن وجبت شقاوته قوله تعالى : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود : ٧٦) ومنه قوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف : ٥٣) فإن قوله [تعالى] : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) أورث للمخاطب حيرة : كيف لا ينزّه نفسه مع كونها مطمئنة زكية! فأزال حيرته بقوله تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ) في جميع الأشخاص (بِالسُّوءِ) إلا المعصوم. وكذا قوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (التوبة : ١٠٣).
واعلم أن كل جملة (٣) صدّرت ب «إنّ» [لاظهار فائدة ، الأولى] (٤) مفيدة للتعليل وجواب سؤال مقدر ؛ فإنّ الفاء يصح أن تقوم فيها مقام (٥) [«أن» مفيدة للتعليل ، حسن تجريدها عن كونها جوابا للسؤال المقدر كما سبق من الأمثلة. وإن صدّرت لإظهار فائدة ، الأولى لم يصح قيام الفاء مقامها] (٥) كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (الأنبياء : ١٠١) بعد قوله : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) (الأنبياء : ١٠٠).
ومن فوائدها تحسين ضمير الشأن معها إذا فسّر بالجملة الشرطية ما لا يحسن بدونها ، كقوله : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) (يوسف : ٩٠) (أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ [وَرَسُولَهُ]) (٦) (التوبة : ٦٣) (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً [بِجَهالَةٍ]) (٦) (الأنعام : ٥٤). (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ)
__________________
(١) في المخطوطة (سائل).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) في المخطوطة (صلة).
(٤) ساقط من المطبوعة.
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٦) ليست في المخطوطة.