فقوبل ب «لا» ليعم (١) ما هو جواب له ، أي زعموا ذلك في وقت ما قيل لهم : تمنوا الموت ، وأما (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) (البقرة : ٩٥) فجاء بعد قوله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً) (البقرة : ٩٤) أي إن كانت لكم الدار الآخرة فتمنوا الموت الآن (٢) ، استعجالا للسكون في دار الكرامة التي أعدّها الله لأوليائه وأحبائه. وعلى وفق هذا القول جاء قوله : (لَنْ تَرانِي) (الأعراف : ١٤٣).
(قلت) : والحق أن «لا» و «لن» لمجرد النفي عن الأفعال المستقبلة ، والتأبيد وعدمه يؤخذان من دليل خارج ، ومن احتجّ على التأبيد بقوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (البقرة : ٢٤) وبقوله : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) (الحج : ٧٣) عورض بقوله : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (مريم : ٢٦) ولو كانت للتأبيد لم يقيّد منفيّها باليوم ، وبقوله : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) (البقرة : ٩٥) ولو كانت للتأبيد لكان ذكر الأبد تكريرا والأصل عدمه ، وبقوله : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) (طه : ٩١) لا يقال : هي مقيدة فلم تفد التأبيد ، والكلام عند الإطلاق ، لأن الخصم يدعي أنها موضوعة لذلك ، فلم تستعمل في غيره. وقد استعملت «لا» للاستغراق الأبديّ في قوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (فاطر : ٣٦) وقوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة : ٢٥٥) (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) (البقرة : ٢٥٥) وقوله : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ [فِي سَمِّ الْخِياطِ]) (٣) (الأعراف : ٤٠) وغيره مما هو للتأبيد ، وقد استعملت فيه «لا» دون «لن» ؛ فهذا يدلّ على أنها لمجرد النفي ، والتأبيد يستفاد من دليل آخر. (٤)
__________________
(١) في المخطوطة (ليعلم).
(٢) في المخطوطة (لأن).
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) وانظر الكلام على «لن» في «مغني اللبيب» ١ / ٢٨٤ حرف اللام لف. فقد استقى منه الزركشي ، كما سيذكر الزركشي «لن» في النوع السابع والأربعين ٤ / ٣٨٧.