لكن قناديل الهوى |
|
في نور رشدي كالحمم |
قال : فو الله لقد أدركني فوق ما أدركه ، وغلب على خاطري بما سمعت من هذه الأبيات ، وفعلت بي من الموعظة غاية لم أجد منها التخلّص إلّا بعد حين ، فقال لي الشيخ : إنّ هذه يقظة يرجى معها خيرك ، والله مرشدك ومنقذك ، ثم قال لي : يا بني ، هذا ما نحن بسبيله الآن ، فاسمع فيما مضى والله وليّ المغفرة ، وإنّا لنرجو منه غفران الفعل ، فكيف القول ، وأنشد : [المتقارب]
أطلّ عذار على خدّه |
|
فظنّوا سلوّي عن مذهبي |
وقالوا غراب لوشك النّوى |
|
فقلت اكتسى البدر بالغيهب (١) |
وناديت قلبي أين المسير |
|
وبدر الدّجى حلّ بالعقرب (٢) |
فقال ولو رمت عن حبّه |
|
رحيلا عصيت ولم أذهب |
قال : فسمعت منه (٣) ما يقصر عنه صدور الشعراء ، وشهدت له بالتقدّم ، وقلت له : لم أر أحسن من نظمك في جدّ ولا هزل ، ثم قلت له : أأرويه عنك؟ فقال : نعم ، ما أرى به بأسا بعد اطلاع من يعلم السرائر ، على ما في الضمائر ، فما قدر هذه الفكاهة في إغضاء (٤) من يغفر الكبائر؟ ويغضي عن العظائم؟ قال : فقلت له : فإن أسبغت عليّ النعمة بزيادة شيء من هذا الفن فعلت ما تملك به قلبي آخر الدهر ، فقال : يا بني ، لا ملك قلبك غير حبّ الله تعالى! ثم قال : ولا أجمع عليك ردّ قول ومنعا (٥) ، وأنشد : [مجزوء الخفيف]
أيها الشادن الذي |
|
حسنه في الورى غريب (٦) |
لحظ ذاك الجمال يط |
|
فىء ما بي من اللهيب |
وعليه أحوم ده |
|
ري ولكنّني أخيب |
كلّما رمت زورة |
|
قيّض الله لي رقيب |
قال : فمازج قلبي من الرقّة واللطافة لهذا الشعر ما أعجز عن التعبير عنه ، فقلت له : زدني زادك الله تعالى خيرا ، فأنشدني : [البسيط]
ما كان قلبي يدري قدر حبّكم |
|
حتى بعدتم فلم يقدر على الجلد |
__________________
(١) الغيهب : الظلمة ، جمعه : غياهب.
(٢) العقرب : برج في السماء.
(٣) في ب : «فسمعت ما يقصر».
(٤) في ه : «وفي إحصاء من يغفر الكبائر».
(٥) في ه : «قول ومعنى» محرفا.
(٦) الشادن : ولد الغزال.