وكنت أحسب أني لا أضيق به |
|
ذرعا فما حان حتى فتّ في عضدي |
ثم استمرّت على كره مريرته |
|
فكاد يفرق بين الروح والجسد |
عساكم أن تلاقوا باللقا رمقي |
|
فليس لي مهجة تقوى على الكمد |
ثم قال : حسبك ، وإن كلفتني زيادة فالله حسبك ، فقلت له : قد وكلتني إلى كريم غفور رحيم ، فبالله إلّا ما زدتني ، وأكببت لأقبّل رجليه ، فضمّهما وأنشد : [المجتث]
لله من قال لمّا |
|
شكوت فيه نحولي |
أمّا السبيل لوصل |
|
فما له من وصول |
فقلت حسبي التماح |
|
بحسن وجه جميل |
وجه تلوح عليه |
|
علامة للقبول |
فقال دعني فهذا |
|
تعرّض للفضول |
فقلت عاتب وخاطب |
|
بالأمن أهل العقول |
فملأ سمعي عجائب ، وبسط أنسي ، وكتبت كلّ ما أنشدني ، ثم قلت له : لولا خوفي من التثقيل عليك لم أزل أستدعي منك الإنشاد حتى لا تجد ما تنشد ، فقال : إن عدت إن شاء الله تعالى إلى هنا تذكرت ، وأنشدتك ، فما عندي ممّا أضيفك غير ما سمعته (١) ، وما تراه ، ثم قام وجاء من بيت آخر في داره بصحفة فيها حسا من دقيق وكسور باردة ، فجعل يفتّ فيها ، ثم أشار إليّ أن أشرب ، فشربت ، ثم شرب إلى أن أتينا على آخرها ، ثم قال لي : هذا غذاء عمّك نهاره ، وإنه لنعمة من الله تعالى أستديم بشكرها اتّصالها ، قال : فقلت له : يا عمّ ، ومن أين عيشك؟ فقال : يا بني ، عيشتي بتلك الشبكة أصطاد بها في سواحل البحر ما أقتات به ، ولي زوجة وبنت يعود من غزلهما مع ذلك ما نجد به (٢) معونة ، وهذا مع العافية والاستغناء عن الناس خير كثير ، جعلنا الله تعالى ممّن يلقاه على حالة يرضاها ، وختم لنا بخاتمة لا يخاف معها فضيحة! قال : فتركته وقمت وفي نيّتي أن أعود إلى زيارته ، ونويت أن يكون ذلك بعد أيام خوف التثقيل ، فعدت إليه بعد ثلاثة أيام ، فنقرت الباب ، فكلمتني المرأة بلسان عليه أثر الحزن ، وقالت : إنّ الشيخ خرج إلى الغزو ، وذلك بعد انفصالك عنه بيوم ، ناله كالجنون ، فقلت له : ما شأنك؟ فقال : إني (٣) أريد أن أموت شهيدا في الغزو ، وهؤلاء جيران لي قد
__________________
(١) في ب ، ه : «غير ما سمعت».
(٢) في ب ، ه : «ما نجد فيه معونة».
(٣) في ب : «فقال : أريد أن أموت شهيدا».