ولم يزل على حاله من السجن إلى أن تحيّل في جارية محسنة للغناء (١) حسنة الصوت وصنع (٢) موشحته التي أولها :
نازعك البدر اللياح |
|
بنت الدنان (٣) |
فلم يدع لك اقتراح |
|
على الزمان |
وفيها يقول :
يا هل أقول للحسود |
|
والعيس تحدى (٤) |
يا لائمي على السراح |
|
كانت أماني |
أخرجها ذاك السماح |
|
إلى العيان |
وجعل يلقيها (٥) على الجارية حتى حفظتها ، وأحكمت الغناء بها ، وأهداها إلى ابن مردنيش بعد ما أوصاها أنها متى (٦) استدعاها إلى الغناء وظفرت به في أطرب ساعة وأسرّها غنّته بهذه الموشحة ، وتلطّفت في شأن رغبتها في سراح قائلها ، فلعلّ الله تعالى يجعل في ذلك سببا ، واتّفق أن ظفرت بما أوصاها به ، وأحسنت غناء الموشحة ، فطرب ابن مردنيش لسماع مدحه ، وأعجبه مقاصد قائلها ، فسألها : لمن هي؟ فقالت : لمولاي عبدك ابن نزار ، فقال : أعيدي عليّ قوله «يا لائمي على السراح» فأعادته ، فداخلته عليه الرأفة والأريحية (٧) بما أصابه ، فأمر في الحين بحلّ قيده ، واستدعى به إلى موضعه في ذلك الوقت ، فلمّا دخل خلع عليه وأدناه وقال له : يا أبا الحسن ، قد أمرنا لك بالسّراح على رغم الحسود ، فارجع إلى بلدك مباحا لك أن تطلب الملك بها وبغيرها إن قدرت ، فأنت أهل لأن تملك جميع الأندلس ، لا وادي آش ، فقال له : والله يا سيدي بل ألتزم طاعتك والإقرار بأنك بعثتني من قبر رماني فيه الحسّاد والوشاة ، ثم شربا حتى تمكّنت (٨) بينهما المطايبة ، فقال له : يا ابن نزار ، الآن أريد أن أسألك عن شيء ، قال : وما هو يا سيدي؟ قال : عمّا في أمّ رأسك حين قلت : [البسيط]
في أمّ رأسي ما يعيا الزمان به |
|
شرحا فسل بعدها الأيام عن خبري |
فقال له : يا سيدي ، لا تسمع إلى غرور نفس ألقته (٩) على لسان نشوان لعبت بأفكاره
__________________
(١) في ه : «محسنة في الغناء».
(٢) في ب : «وضع موشحته».
(٣) اللياح : الأبيض الناصع. والبدر اللياح : المنير.
وبنت الدنان : الخمر.
(٤) «يا» في صدر البيت للتنبيه.
(٥) في ه : «وجعل من يلقيها على الجارية».
(٦) في ج «أوصاها أنه متى».
(٧) في ه : «الرقة والأريحية».
(٨) في ه : «إلى أن تمكنت».
(٩) في ه : «ألفته».