أمّا بعد ؛ فإنه حرّك منّي ساكنا ، وملأ مني فارغا ، فخرجت عن سجيتي في الإغضاء ، مكرها إلى الحميّة والإباء ، منازع (١) في فضل الأندلس أراد أن يخرق الإجماع ، ويأتي بما لم تقبله (٢) النواظر والأسماع ، إذ من رأى ومن سمع لا يجوز عنده ذلك ، ولا يضلّه من تاه في تلك المسالك ، رام أن يفضل برّ العدوة على برّ الأندلس فرام أن يفضل على اليمين اليسار ، ويقول: الليل أضوأ من النهار ، فيا عجبا كيف قابل العوالي بالزّجاج (٣) ، وصادم الصّفاة بالزّجاج ، فيا من نفخ في غير ضرم ، ورام صيد البزاة بالرخم ، وكيف تتكثر بما جعله الله قليلا ، وتتعزّز بما حكم الله أن يكون ذليلا؟ ما هذه المباهتة التي لا تجوز؟ وكيف تبدي أمام الفتاة العجوز؟ سل العيون إلى وجه من تميل؟ واستخبر الأسماع إلى حديث من تصغي (٤)؟ : [الطويل]
لشتّان ما بين اليزيدين في الندى |
|
يزيد سليم والأغرّ بن حاتم |
اقن حياءك أيها المغرّد بالنحيب (٥) ، المتزيّن بالخلف المتحبّب إلى الغواني بالمشيب الخضيب ، أين عزب عقلك؟ وكيف نكص (٦) على عقبه فهمك ولبّك؟ أبلغت العصبية من قلبك ، أن تطمس على نوري بصرك ولبّك؟ أما قولك «الملوك منّا» فقد كان الملوك منّا أيضا ، وما نحن إلّا كما قال الشاعر : [المتقارب]
فيوم علينا ويوم لنا |
|
ويوم نساء ويوم نسرّ |
إن كان الآن كرسيّ جميع بلاد المغرب عندكم بخلافة بني عبد المؤمن ـ أدامها الله تعالى! ـ فقد كان عندنا بخلافة القرشيين الذين يقول فيهم (٧) مشرقيهم : [الطويل]
وإنّي من قوم كرام أعزّة |
|
لأقدامهم صيغت رؤوس المنابر |
خلائف في الإسلام في الشّرك قادة |
|
بهم وإليهم فخر كلّ مفاخر |
ويقول مغربيهم :
ألسنا بني مروان كيف تبدّلت |
|
بنا الحال أو دارت علينا الدوائر |
__________________
(١) «منازع» بالرفع لأنه فاعل حرك في قوله : «حرك مني ساكنا».
(٢) في ب ، ه : «لا تقبله».
(٣) العوالي : جمع عالية ، وهي أعلى القناة من الرمح. والزجاج : جمع زج ، وهو الحديدة التي في أسفل الرمح.
(٤) البيت لربيعة بن ثابت الرقي يهجو يزيد السلمي ويفضل يزيد الأزدي. انظر الأغاني ج ١٦ ص ١٨٩.
(٥) في ه : «أيها المفرد بالنحيب».
(٦) نكص : رجع إلى خلف ، وأحجم عن الأمر.
(٧) «فيهم» ساقطة من ب.