إذا ولد المولود منّا تهلّلت |
|
له الأرض واهتزّت إليه المنابر |
وقد نشأ في مدّتهم من الفضلاء والشعراء ما اشتهر في الآفاق ، وصار أثبت في صحائف (١) الأيام ، من الأطواق في أعناق الحمام : [الطويل]
وسار مسير الشمس في كلّ بلدة |
|
وهبّ هبوب الريح في البرّ والبحر |
ولم تزل ملوكهم في الاتساق كما قيل : [البسيط]
إنّ الخلافة فيكم لم تزل نسقا |
|
كالعقد منظومة فيه فرائده (٢) |
إلى أن حكم الله بنثر سلكهم (٣) ، وذهاب ملكهم ، فذهبوا وذهبت أخبارهم ، ودرسوا ودرست آثارهم : [البسيط]
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم |
|
بعد الممات جمال الكتب والسّير |
فكم مكرمة أنالوها ، وكم عثرة أقالوها : [الرجز]
وإنّما المرء حديث بعده |
|
فكن حديثا حسنا لمن وعى |
وكان من حسنات ملكهم المنصور بن أبي عامر ، وما أدراك الذي بلغ في بلاد النصارى غازيا إلى البحر الأخضر ، ولم يترك أسيرا في بلادهم من المسلمين ، ولم يبرح في جيش الهرقل وعزمة الإسكندر ، ولمّا قضى نحبه (٤) كتب على قبره : [الكامل]
آثاره تنبيك عن أوصافه |
|
حتى كأنّك بالعيان تراه |
تالله لا يأتي الزمان بمثله |
|
أبدا ولا يحمي الثغور سواه |
وقد قيل فيه من الأمداح ، وألّف له من الكتب ، ما سمعت وعلمت ، حتى قصد من بغداد ، وعمّ خيره وشرّه أقاصي البلاد ، ولمّا ثار بعد انتثار (٥) هذا النظام ملوك الطوائف وتفرّقوا في البلاد ، وكان (٦) في تفرّقهم اجتماع على النعم لفضلاء العباد ، إذ نفّقوا سوق العلوم ، وتباروا في المثوبة على المنثور والمنظوم ، فما كان أعظم مباهاتهم إلّا قول : العالم الفلاني عند
__________________
(١) في ه : «أثبت إلى صحائف الأيام».
(٢) فرائده : جمع فريدة ، وهي الحب من فضة وغيرها يفصل بين حبات الذهب واللؤلؤ في العقد. وكذلك الفريدة : الجوهرة النفيسة.
(٣) نثر سلكهم : تفرق شملهم.
(٤) قضى نحبه : مات.
(٥) في ج : «بعد انتشار» وهو تصحيف.
(٦) في ب : «كان في ...» بإسقاط الواو.