بنتم وبنّا فما ابتلّت جوانحنا |
|
شوقا إليكم ولا جفّت مآقينا |
حالت لفقدكم أيامنا فغدت |
|
سودا وكانت بكم بيضا ليالينا (١) |
فلمّا قرىء عليه هذان البيتان قال للقارىء : يطلب منّا جواري سودا وبيضا ، قال : لا يا مولانا ، ما أراد إلّا أنّ ليله كان بقرب أمير المسلمين نهارا ؛ لأنّ ليالي السرور بيض ، فعاد نهاره ببعده ليلا لأنّ أيام الحزن ليال سود (٢) ، فقال : والله جيد ، أكتب له في جوابه : إنّ دموعنا تجري عليه ، ورؤوسنا توجعنا من بعده ، فليت العباس بن الأحنف قد عاش حتى يتعلم من هذا الفاضل رقة الشوق : [الطويل]
ولا تنكرن مهما رأيت مقدّما |
|
على حمر بغلا فثمّ تناسب |
فاسكتوا ، فلو لا هذه الدولة ، لما كان لكم على الناس صولة : [الوافر]
وإنّ الورد يقطف من قتاد |
|
وإنّ النار تقبس من رماد (٣) |
وإنك إن تعرّضت للمفاضلة بالعلماء فأخبرني : هل لكم في الفقه مثل عبد الملك بن حبيب الذي يعمل بأقواله إلى الآن ، ومثل أبي الوليد الباجي ، ومثل أبي بكر بن العربي ، ومثل أبي الوليد بن رشد الأكبر ، ومثل أبي الوليد بن رشد الأصغر؟ وهو ابن ابن الأكبر ، نجوم الإسلام ، ومصابيح شريعة محمد عليه السلام ، وهل لكم في الحفظ مثل أبي محمد بن حزم الذي زهد في الوزارة والمال ومال إلى رتبة العلم ، ورآها فوق كل رتبة ، وقال وقد احترقت (٤) كتبه : [الطويل]
دعوني من إحراق رقّ وكاغد |
|
وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري (٥) |
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي |
|
تضمّنه القرطاس ، إذ هو في صدري |
ومثل أبي عمر بن عبد البر صاحب «الاستيعاب» (٦) و «التمهيد» ومثل أبي بكر بن الجد حافظ الأندلس في هذه الدولة ، وهل لكم في حفّاظ اللغة كابن سيده صاحب كتاب «المحكم»
__________________
(١) حالت : تغيرت ، وتحولت.
(٢) في أ : «لأن ليالي الحزن ليالي سود».
(٣) القتاد : نبات ذو شوك.
(٤) في ب ، ه : «وقال وقد أحرقت كتبه».
(٥) الرق : جلد كان يستعمل للكتابة. والكاغد : القرطاس.
(٦) الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر ، وقد طبع على هامش كتاب الإصابة في تمييز الصحابة بدار الفكر ببيروت. وورد في ب : «الاستذكار».