وكتاب «السماء والعالم» الذي إن أعمى الله بصره فما أعمى بصيرته ، وهل لكم في النحو مثل أبي محمد بن السّيد وتصانيفه؟ ومثل ابن الطراوة ، ومثل أبي علي الشلوبين الذي بين أظهرنا الآن ، وقد سار في المغارب والمشارق ذكره ، وهل لكم في علوم اللحون والفلسفة كابن باجة. وهل لكم في علم النجوم والهندسة والفلسفة (١) ملك كالمقتدر بن هود صاحب سرقسطة ، فإنه كان في ذلك آية؟ وهل لكم في الطب مثل ابن طفيل صاحب رسالة «حي بن يقظان» المقدم في علم الفلسفة ، ومثل بني زهر أبي العلاء ثم ابنه عبد الملك ثم ابنه أبي بكر ثلاثة على نسق؟ وهل لكم في علم التاريخ كابن حيّان صاحب «المتين» و «المقتبس»؟ وهل عندكم في رؤساء علم الأدب مثل أبي عمر بن عبد ربه صاحب «العقد»؟ وهل لكم في الاعتناء بتخليد مآثر فضلاء إقليمه والاجتهاد في حشد محاسنهم مثل ابن بسّام صاحب «الذخيرة»؟ وهب أنه كان يكون لكم مثله فما تصنع الكيّسة في البيت الفارغ؟ وهل لكم في بلاغة النثر كالفتح بن عبيد الله الذي إن مدح رفع ، وإن ذمّ وضع ، وقد ظهر له من ذلك في كتاب «القلائد» ما هو أعدل شاهد ، ومثل ابن أبي الخصال في ترسّله (٢) ، ومثل أبي الحسن سهل بن مالك الذي بين أظهرنا الآن في خطبه ، وهل لكم في الشعر ملك مثل المعتمد بن عباد في قوله : [الطويل]
وليل بسدّ النهر أنسا قطعته |
|
بذات سوار مثل منعطف النهر |
نضت بردها عن غصن بان منعّم |
|
فيا حسن ما انشقّ الكمام عن الزهر |
وقوله في أبيه : [البسيط]
سميدع يهب الآلاف مبتدئا |
|
وبعد ذلك يلفى وهو يعتذر (٣) |
له يد كلّ جبّار يقبّلها |
|
لو لا نداها لقلنا إنها الحجر |
ومثل ابنه الراضي في قوله : [البسيط]
مرّوا بنا أصلا من غير ميعاد |
|
فأوقدوا نار قلبي أيّ إيقاد |
لا غرو أن زاد في وجدي مرورهم |
|
فرؤية الماء تذكي غلّة الصادي (٤) |
وهل لكم ملك ألّف في فنون الأدب (٥) كتابا في نحو مائة مجلّدة مثل المظفر بن
__________________
(١) في ب : «والفلسفة والهندسة».
(٢) في ب ، ه : «في ترسيله».
(٣) في ه : «يلفى وهو معتذر». والسميدع : السيد الكريم.
(٤) الغلة : شدة العطش. والصادي : العطشان.
(٥) في ب ، ه : «في فنون الآداب».