وتنزّه يوما بحديقة من حدائق الحضرة قد اطّرد نهرها ، وتوقّد زهرها ، والريح يسقطه فينظم بلبّة الماء ، ويتبسّم به فتخاله كصفحة خضرة السماء ، فقال : [الكامل]
انظر إلى الأزهار كيف تطلّعت |
|
بسماوة الروض المجود نجوما |
وتساقطت فكأنّ مسترقا دنا |
|
للسّمع فانقضّت عليه رجوما (١) |
وإلى مسيل الماء قد رقمت به |
|
صنع الرياح من الحباب رقوما |
ترمي الرياح لها نثير أزاهر |
|
فتمدّه في شاطئيه رقيما (٢) |
وله يصف قلم يراعة ، وبرع في صفته أعظم براعة : [الكامل]
ومهفهف ذلق صليب المكسر |
|
سبب لنيل المطلب المتعذّر |
متألّق تنبيك صفرة لونه |
|
بقديم صحبته لآل الأصفر |
ما ضرّه أن كان كعب يراعة |
|
وبحكمه اطّردت كعوب السّمهري (٣) |
وله عندما شارف الكهولة ، واستأنف قطع صبوة (٤) كانت موصولة : [الكامل]
أمّا أنا فقد ارعويت عن الصّبا |
|
وعضضت من ندم عليه بناني |
فأطعت نصّاحي وربّ نصيحة |
|
جاؤوا بها فلججت في العصيان |
أيام أسحب من ذيول شبيبتي |
|
مرحا وأعثر في فضول عناني |
وأجلّ كأسي أن ترى موضوعة |
|
فعلى يدي أو في يدي ندماني |
أيام أحيا بالغواني والغنا |
|
وأموت بين الراح والريحان |
في فتية فرضوا اتّصال هواهم |
|
فمناهم دنّ من الأدنان (٥) |
هزّت علاهم أريحيّات الصّبا |
|
فهي النسيم وهم غصون البان |
من كلّ مخلوع الأعنّة لم يبل |
|
في غيّه بمصارف الأزمان (٦) |
إلى أن قال : ومن نثره يصف فرسا : انظر إليه سليم الأديم ، كريم القديم ، كأنما نشأ بين الغبراء واليحموم (٧) ، نجم إذا بدا ، ووهم إذا عدا ، يستقبل بغزال ، ويستدبر برال ، ويتحلّى
__________________
(١) رجوم : جمع رجم ، وهو اسم ما يرجم به.
(٢) في ب ، ه : «ترمي الرياح لها نثيرا زهره».
والرقيم : المرقوم.
(٣) السمهري : الرمح.
(٤) في ب ، ه : «واستأنف قطع صرة».
(٥) الدنّ : برميل الخمر وجمعها أدنان.
(٦) لم يبل : أي لم يبال ولم يهتم ، ولم يكترث.
(٧) في ج : «بين الغبراء والنجوم».