كمل خلاله وإبداره ، وفيها استقضي ، وشيم مضاؤه وانتضي ، فالتقينا بها على ظهر ، وتعاطينا ذكر ذلك الدهر ، فجددت من شوقه ، ما كان قد شبّ على (١) طوقه ، فرامني على الإقامة ، وسامني على ذلك بكلّ كرامة ، فأبيت إلّا النوى ، وانثنيت عن الثّوى ، فودعني ، ودفع إليّ تلك القطعة حين شيّعني : [الكامل]
بشراي أطلعت السعود على |
|
آفاق أنسي بدرها كملا |
وكسا أديم الأرض منه سنا |
|
فكست بسائطها به حللا |
إيه أبا نصر ، وكم زمن |
|
قصر ادكارك عندي الأملا |
هل تذكرن والعهد يخجلني |
|
هل تذكرن أيامنا الأولا |
أيام نعثر في أعنّتنا |
|
ونجرّ من أبرادنا خيلا |
ونحلّ روض الأنس مؤتنقا |
|
وتحلّ شمس مرادنا الحملا (٢) |
ونرى ليالينا مساعفة |
|
تدعو رفاقتنا لنا الجفلى (٣) |
زمن نقول على تذكره |
|
ما تمّ حتى قيل قد رحلا |
عرضت لزورتكم وما عرضت |
|
إلّا لتمحق كلّ ما فعلا |
ووافيته عشية من العشايا أيام ائتلافنا ، وعودنا إلى مجلس الطلب واختلافنا ، فرأيته مستشرفا متطلّعا ، يرتاد موضعا يقيم به لثغور الأنس مرتشفا ولثديه مرتضعا ، فحين مقلني (٤) ، تقلّدني إليه واعتقلني ، وملنا إلى روضة قد سندس الربيع في بساطها ، ودبّج الزهر درانك أوساطها ، وأشعرت النفوس فيها بسرورها وانبساطها ، فأقمنا بها نتعاطى كؤوس أخبار ، ونتهادى أحاديث جهابذة وأحبار ، إلى أن نثر زعفران العشي ، وأذهب الأنس خوف العالم الوحشي ، فقمت وقام ، وعوّج الرعب من ألسنتنا ما كان استقام ، وقال : [الكامل]
وعشيّة كالسيف إلّا حدّه |
|
بسط الربيع بها لنعلي خدّه |
عاطيت كأس الأنس فيها واحدا |
|
ما ضرّه إن كان جمعا وحده |
__________________
(١) في ب : «شب عن طوقه».
(٢) الحمل : برج في السماء.
(٣) في ب ، ه : «تدعو إلى رفقنا الجفلى».
والجفلى : الدعوة العامة التي لا ينتقي صاحبها من يدعو.
(٤) مقلني : نظرني.