من الشارع فلو كان لهذه المسألة أصل مع عموم البلوى بها لخرج عنهم (عليهمالسلام) ما يدل عليها أو يشير إليها وحيث لم يخرج عنهم فيها شيء سقط التكليف بها إذ لا تكليف إلا بعد البيان ولا مؤاخذة إلا بعد اقامة البرهان ، وهذا يرجع في التحقيق الى ما قدمنا ذكره في غير موضع وبه صرح المحدث الأمين الأسترآبادي من الاستدلال بالبراءة الأصلية والعمل بها فيما يعم به البلوى من الأحكام.
و (ثانيا) ـ ان القول بذلك موجب للحرج والضيق المنفيين بالآية والرواية والإجماع (١) إذ لا يخفى انه لا يكاد أحد من المكلفين فارغ الذمة من واجب من الواجبات البدنية أو المالية ويأتي بناء على هذا القول بطلان عباداته وصلواته في غير ضيق الوقت وعدم ترخصه في أسفاره وتأثيمه في جملة أفعاله من اكله وشربه ومغداه ومجيئه ونومه ونكاحه ونحو ذلك لان الفرض انه منهي عن هذه الأضداد الخاصة والنهي حقيقة في التحريم ، واي ضيق وحرج أعظم من ذلك؟
و (ثالثا) الأخبار الدالة على عدم التكليف بأمثال هذه الأمور التي لم يرد فيها شيء بنفي ولا إثبات مثل قول الصادق (عليهالسلام) في رواية إسحاق بن عمار (٢) «ان عليا (عليهالسلام) كان يقول أبهموا ما أبهمه الله». وما رواه الشيخ المفيد عن أمير المؤمنين علي (عليهالسلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله حد لكم حدودا فلا تعتدوها وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها وسن لكم سننا فاتبعوها وحرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها وعفا لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فلا تتكلفوها». وما رواه في الفقيه (٤) في خطبة لأمير المؤمنين (عليهالسلام) قال فيها : «ان الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقضوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها
__________________
(١) تقدم ما يدل على ذلك ج ١ ص ١٥١.
(٢) رواه في البحار في الباب ٣٣ من كتاب العلم رقم ٥.
(٣) رواه في البحار في الباب ٣٢ من كتاب العلم رقم ١١.
(٤) باب (نوادر الحدود).