بال على موضع من الأرض فتطهيره ان يصب الماء عليه حتى يكاثره ويغمره ويقهره ويزيل لونه وطعمه وريحه ، فإذا زال حكما بطهارة المحل وطهارة الماء الوارد عليه ولا يحتاج الى نقل التراب ولا قلع المكان وبه قال الشافعي (١) وقال أبو حنيفة ان كانت الأرض رخوة فصب عليها الماء فنزل الماء عن وجهها الى باطنها طهرت الجلدة العليا دون السفلى التي وصل الماء والبول إليها وان كانت الأرض صلبة فصب الماء على المكان فجرى عليه الى مكان آخر طهر مكان البول لكن نجس المكان الذي انتهى الماء اليه فلا يطهر حتى يحفر التراب ويلقى عن المكان (٢) ثم ان الشيخ احتج لما صار إليه بان في التكليف بما زاد على ذلك حرجا منفيا بقوله تعالى : «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (٣) وبالرواية العامية المشهورة المتضمنة أمر النبي (صلىاللهعليهوآله) بإهراق الذنوب من الماء على بول الأعرابي لما بال في المسجد وقوله لهم بعد ذلك «علموا ويسروا ولا تعسروا» (٤) وابن إدريس قد وافق الشيخ في هذا المقام على جميع هذه الأحكام ، وهو جيد على أصله من اختياره طهارة الغسالة.
والمحقق في المعتبر بعد ان أورد كلام الشيخ المذكور قال : وما ذكره الشيخ مشكل لأن الرواية المذكورة عندنا ضعيفة الطريق ومنافية للأصل لأنا قد بينا ان الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس تغير أو لم يتغير لانه ماء قليل لاقى نجاسة ، ثم عارض الرواية برواية عامية مثلها الى ان قال : الوجه ان طهارتها بجريان الماء عليها أو المطر حتى يستهلك النجاسة أو يزال التراب النجس على اليقين أو تطلع عليها الشمس حتى تجف بها أو تغسل بما يغمرها ثم يجري إلى موضع آخر فيكون ما انتهى اليه نجسا. انتهى.
أقول : ينبغي حمل كلامه الأخير أعني قوله : «أو تغسل بما يغمرها ثم يجري. الى آخره» على ما إذا كانت الأرض صلبة كما تقدم في كلام أبي حنيفة وإلا عاد
__________________
(١) كما في الأم ج ١ ص ٨٠ وتابعه أبو إسحاق في المهذب ج ١ ص ٤٩.
(٢) كما في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج ١ ص ٨٩ والبحر الرائق ج ١ ص ٢٢٦.
(٣) سورة الحج ، الآية ٧٨.
(٤) راجع التعليقة ١ ص ٣٠٩ ج ١.