إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكروه من اعتبار الورود لا يتم لهم في الأواني ونحوها ولهذا استثناها في الذكرى وتأول الورود فيها بالحمل على أول الورود ، وقال بعض الأصحاب بعد ان حكى كلام الذكرى وقوله فيها بالاكتفاء في الأواني وشبهها بأول وروده : الحق انه لا يراد بالورود أكثر من هذا وإلا لم يتحقق الورود في شيء مما يحتاج فصل الغسالة عنه إلى معونة شيء آخر.
قال في المعالم : والذي ينبغي تحصيله في هذا المقام ان مبنى اعتبار الورود على ان انتفاءه يقتضي نجاسة الماء ومن المستبعد صلاحية ما حكم بنجاسته لرفع حكم النجاسة عن غيره ، ومن أمعن نظره في دليل انفعال القليل بالملاقاة رأى انه مختص بما إذا وردت النجاسة على الماء ، فيجب حينئذ ان يكون المعتبر هنا هو عدم ورود النجاسة على الماء لا ورود الماء على النجاسة إذ بين الأمرين فرق واضح ، وإذا ثبت ان المعتبر ما ذكرناه لم يحتج الى استثناء نحو الأواني ولا لتكلف حمل الورود على ما يقع أولا فإن ورود النجاسة في جميع ذلك منتف والمحذور إنما يأتي من جهته. انتهى.
أقول : مبنى هذا الاشكال وهذه التكلفات كلها في دفعه انما نشأ مما قدمنا ذكره من لزوم نجاسة الماء مع الورود كما ذكره ونحن قد حققنا سابقا في الموضع المشار اليه آنفا انه لا مانع من النجاسة الحاصلة آن التطهير بذلك الماء وانما قام الدليل على منع التطهير بما تنجس سابقا قبل التطهير ، وبذلك اعترف ايضا صاحب المعالم في هذا المقام بعد هذا الكلام فقال ـ بعد ان ذكر بأنه على رأي القائلين بنجاسة الماء القليل تعويلا على ان الماء القليل ينفعل بملاقاة النجاسة بأي وجه فرض وان اعتبار ذلك مشكل إذ نجاسة الماء حاصلة على كل حال ومسمى الغسل المأمور به يصدق وان كان الوارد هو النجاسة ـ ما هذا لفظه : والفرق بينه وبين استعمال ما حكم بنجاسته بغير هذا الوجه من مقتضيات التنجيس قيام الدليل على عدم صلاحية ذلك للاستعمال وانتفاؤه في هذا ، فان دليل نجاسته انما يقتضي المنع من استعماله في مغسول آخر واما نفس المغسول الأول الذي