الثانى : هو أن الضرر لا يحكم بقبحه على مذهب المعتزلة ، حتى ينتفى عنه جميع وجوه الحسن ، وإلا فهو حسن.
ثم الوجوه التى يحسن الضرر لأجلها ، إنما يتوصل إليها عندهم بالنظر والاستدلال ، وما كان ثبوته نظريا ، فنفيه يكون نظريا ، فإذا كان قبح الضرر متوقفا على انتفاء وجوه الحسن ، ونفيها نظرى ؛ فالعلم بقبح الضرر نظرى. وهو غير صحيح أيضا ؛ فإنهم حيث قضوا بكون قبح الضرر ضروريا ، إنما قضوا به على وجه كلى مطلق : وهو أنّ الضّرر المجرد عن جهات النفع قبيح ، ودعوى العلم الضرورى بذلك ، لا ينافيه عدم العلم الضرورى بقبح الضرر فى آحاد الصور.
[وأما (١) إذا (١)] عرف دليل امتناع الضرورة ؛ فالاقتصار / على مجرد الدعوى لا يكون كافيا.
كيف وأنه قد لا تؤمن المعارضة بدعوى النقيض ، وإن تعرض (٢) للدلالة مع تعذرنا ؛ فقد بطلت دعوى (٣) الضرورة (٣) ؛ فإن الضرورى لا يكون نظريا.
وإن سلمنا أنه معلوم بالضرورة ؛ ولكن لا نسلم أن الحسن ، والقبح ذاتى للحسن ، والقبيح على ما بيناه.
قولهم : إن ذلك قد يكون مع قطع النظر عن التوابع ، والأعراض ، واختلاف الأحوال ، لا (٤) نسلم ذلك (٤) على ما سنبينه فى الشبهة الثانية.
وأما الشبهة الثانية : فمندفعة أيضا.
أما ما ذكروه من إيثار الصدق على الكذب فى الصورة المفروضة ؛ فهو استدلال على ما هو معلوم بالضرورة عندهم.
وهو إما أن يكون العلم به ضروريا فى نفس الأمر كما هو معتقدهم ؛ فلا معنى لإثباته بالنظر. وإن لم يكن ضروريا ؛ فقد بطل مذهبهم فى دعوى الضرورة. وإن سلمنا
__________________
(١) فى أ (وإذا).
(٢) فى ب (تعرضوا).
(٣) فى ب (الدعوى الضرورية).
(٤) فى ب (ممنوع).